Мартин Лютер: Очень короткое введение
مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
في الرابعة من عصر الأربعاء، الموافق 17 من أبريل عام 1521، مثل مارتن لوثر الراهب المحروم كنسيا والأستاذ الجامعي البالغ من العمر 37 عاما أمام أعيان «الإمبراطورية الرومانية المقدسة»، الذين اجتمعوا لعقد مجلسهم التشريعي، وهو مجلس مكلف ومطول يناقش الشئون المالية والعسكرية الملحة والهرطقة، كما في هذه الحالة. قبل انعقاد هذا المجلس بيوم واحد ، كان لوثر قد بلغ مدينة فورمس الألمانية على نهر الراين، بعد رحلة دامت لأسبوعين، كانت أشبه بموكب للنصر منها إلى مسيرة مهيبة شعائرية قد تفضي إلى مقتله. كان الإمبراطور شارل الخامس، الذي كان عمره آنذاك 21 عاما فقط، ولم يمض على تقلده عرش الإمبراطورية الرومانية سوى عامين، قد استدعى لوثر إلى مدينة فورمس ليعترف علنا بخطأ الكتب التي كان قد كتبها؛ الكتب التي كانت آنذاك مكدسة على الطاولة أمامه في قصر ضيافة الأسقف الفخم بجوار الكاتدرائية. وعلى الرغم من أن لوثر أمل في جلسة استماع عادلة بمدينة فورمس، فقد وجد كل العوامل ضده؛ إذ أخبره المسئول عن الجلسة أنه مسموح له بالإجابة عن سؤالين فقط، هما: هل هو مؤلف الكتب التي نشرت باسمه؟ وإن كان الجواب نعم، فهل يؤيد ما كتبه أم أنه يرغب في التراجع عن أي شيء قاله؟
قد تكون قصة مارتن لوثر مألوفة إلى هذا الحد، لا سيما إن اعتبرنا أن جوابه هو رفض إنكار ما قاله أو التراجع عنه، وأنه قال كلماته الأخيرة الشهيرة: «هأنذا أقف، ولا يسعني أن أفعل غير ذلك، فليساعدني الرب. آمين.» على مدار نصف القرن الماضي، تشكك الدارسون في أن لوثر نطق حقا بعبارة: «هأنذا أقف، ولا يسعني أن أفعل غير ذلك.» التي أوحت لرولاند باينتون بعنوان سيرة شهيرة. ومع ذلك، فتلك العبارة هي سبب شهرته بأنه بادئ «حركة الإصلاح البروتستانتي» الشجاع المقدام، وهي شهرة عززها على مدار السنين الكتاب ومنتجو الأفلام والفنانون الذين صوروا هذا المشهد، وتثبيت لوثر «الأطروحات الخمس والتسعين» على جدار الكنيسة عام 1517 كأعمال صدرت عن متمرد على السلطة ومدافع عن الحرية الفردية. غير أن ذلك التصوير مضلل؛ فلو كانت «الأطروحات» قد علقت فعلا، فقد كان لوثر يهدف فقط إلى لفت الانتباه إلى مناقشة أكاديمية، وقد طلب في مدينة فورمس مهلة يوم لصياغة رده على الأسئلة المتعلقة بكتبه، وتبين أن الرد الذي تلاه على مجلس فورمس في 18 من أبريل عام 1521 أقل حدة وأكثر تعقيدا من خطاب تقريع مضاد للسلطة. وقد أقر بأن بعض كتاباته تضمنت نقدا لخصومه أشد مما يليق براهب، لكنه أضاف أن قوانين البابوية وتعليمات الكنيسة عذبت ضمائر سواد الناس، إلى حد أنه إذا تبرأ من كتاباته، فسوف «يدعم الطغيان ويفتح ليس فقط النوافذ، بل الأبواب أيضا على مصاريعها أمام شقاء عظيم». كان لوثر أيضا منتبها إلى ما يمليه عليه ضميره الذي لجأ إليه في الاستنتاج الذي كثيرا ما يستشهد به، والذي أسماه إجابة بسيطة مطلقة: «ما لم أقتنع بأدلة من نصوص الكتب المقدسة أو حجة لا جدال فيها، فأنا مصمم على النصوص المقدسة التي استشهدت بها وبما يمليه علي ضميري الذي هو أسير لكلمة الله.»
لم يؤسس مارتن لوثر تراثا غربيا للحرية الدينية، أو يسع لتحدي بابا الكنيسة الرومانية والإمبراطور للدفاع عن المفاهيم الحديثة للديمقراطية. ومن الواضح أن لوثر لم يكن يقصد نشر أفكاره إلى هذا المدى، وما كان في وسعه ذلك، مع أن نضاله من أجل الحرية المسيحية على حد وصفه لها في عام 1520 مهد بالفعل لصراعات تالية من أجل الحرية الدينية. كما أنه لم يحطم القيود عمدا، بل أكد على أن «حركة الإصلاح الديني» لم تكن حملة مبيتة، لكن جاءت كرد فعل لكتاباته. فما إن شكك لوثر علنا في العقائد التي تعلمها والمعتقدات الدينية التي كانت سائدة تلك الأيام، شعرت السلطات الدينية - التي كانت مستفيدة من ممارسات كصكوك الغفران - بالخطر. وفي روما، فتح مستشارو البابا تحقيقا أدى إلى عزل مارتن لوثر من الكنيسة، بعدما لم يجد دليلا تاريخيا أو إنجيليا مقنعا يؤيد ادعاءاتهم بالسلطة المطلقة للبابا. قال لوثر إنه لا يوجد دليل على أن الحواري بطرس، الذي زعم البابوات أنهم خلفاؤه، قد وطئت أقدامه روما، وكلمات المسيح عن بناء كنيسته على صخرة تحمل اسم بطرس لا علاقة لها بالبابوات أو بسلطتهم، لكن اقتراحات مارتن لوثر بتغيير ممارسات المسيحية لتتفق على نحو أوثق مع الكتاب المقدس أكسبته تأييد المثقفين والعامة على حد سواء. وبحلول الوقت الذي وصل فيه لوثر إلى مدينة فورمس عام 1521، كان في طريقه إلى أن يصبح أشهر كتاب ألمانيا والقائد الناجح، بعكس أسلافه، لحركة إصلاح ديني انتشرت على مستوى العالم، وظلت باقية حتى القرن الحادي والعشرين.
اقتبس باينتون في كتابه العبارة الأخيرة من خطاب لوثر، كما سجل في محضر مجلس فورمس، حيث لا يقول لوثر إلا العبارة التالية: «فليساعدني الرب. آمين.» أما الجزء الأول من عبارته «هأنذا أقف ...» فلم يظهر إلا في الرواية اللاتينية المتعاطفة لجلسة الاستماع لأقوال لوثر، التي طبعت لأول مرة في مدينة فيتنبرج، ويمكن قراءتها في المجلد السابع من طبعة فايمار. كان رأي باينتون في الجزء الأول من العبارة كما يلي: «قد تكون كلماتها مع أنها لم تسجل على التو صادقة؛ ذلك لأن المستمعين في تلك اللحظة ربما يكونون قد تأثروا إلى حد أعجزهم عن الكتابة.» (هأنذا أقف، ص185)
بعد أن غادر لوثر وأغلب نوابه مدينة فورمس، أصدر الإمبراطور شارل الخامس مرسوما يعلن أن لوثر ومؤيديه خارجون على القانون. ولما كان الناخب فريدريك (يطلق عليه هذا اللقب؛ لأنه من الأمراء المخول لهم انتخاب الإمبراطور الروماني المقدس) المؤيد للوثر والملقب بحكيم ساكسونيا قد توقع هذا المرسوم، فقد أمر باعتراض طريق جماعة لوثر في طريق عودتهم إلى الوطن، ومكث لوثر في بقعة سرية، تبين أنها قلعة «فارتبورج» القريبة من مدينة إيزيناخ على بعد ما يزيد عن 100 ميل جنوب غرب فيتنبرج؛ البلدة الصغيرة التي أقام فيها لوثر وألقى دروسه بها. كان الأمير فريدريك يقدر الشهرة التي أكسبها لوثر لجامعته الناشئة، لكنه في ذلك التوقيت كانت تواجهه مشكلة متمثلة في النحو الذي ينبغي أن يتعامل في ضوئه مع أستاذ جامعته المحروم كنسيا والخارج عن القانون. فما إن أذيع مرسوم الإمبراطور شارل الخامس حتى أصبح الأمير وأراضيه الساكسونية معرضين للخطر، ومن ثم قرر أن يبقي لوثر بمعزل عن الناس. وفي الوقت الذي توارى فيه لوثر عن الأنظار، لم يهدر زملاؤه في فيتنبرج بقيادة آندرو كارلشتادت وقتا، بل استغلوا الرأي العام لإحداث أول تغييرات ظاهرة في العبادة والحياة الدينية حولت الأفكار إلى أفعال، غير أن هذه التغييرات أثارت القلاقل وأزعجت مجلس بلدية فيتنبرج الذي حث لوثر على العودة، وعليه غادر لوثر فارتبورج مخالفا رغبة الناخب فريدريك في مارس عام 1522 ليستأنف قيادة «جماعته» في فيتنبرج، ولم يمض وقت طويل قبل أن ينحى كارلشتادت عن منصبه، ليتولى لوثر قيادة حركة الإصلاح الديني التي غيرت الثقافة الأوروبية، وجعلته إحدى الشخصيات العامة التي لا تنسى.
على مدى أعوام، عرض على زوار مقر لوثر في قلعة فارتبورج بقعة في الحائط، اصطدمت عندها محبرة ألقاها لوثر على الشيطان. يعود تاريخ أولى القصص التي تدور حول محبرة إلى نهاية القرن السادس عشر، عندما زعم أحد طلبة فيتنبرج أنه سمع أن الشيطان، مرتديا زي راهب، قد ألقى محبرة على لوثر. وظهر أول كتاب يشير إلى بقعة الحبر على الحائط عام 1650، وفيما بعد صورت القصة التقليدية لوثر وهو يلقي المحبرة على الشيطان. وشيئا فشيئا ظهرت نقطة حبر بجميع المباني التي كان لوثر قد أقام فيها، وأضحت هذه القصة أسطورة ممتعة للكثيرين. بالمثل، ثمة قصص كاذبة تذهب إلى أن لوثر، حال مكوثه بقلعة فارتبورج، قد زاره الشيطان في صورة ذبابة تطن حول رأسه، وكلب أسود كبير يرقد في فراشه.
لم يكن مارتن لوثر كمفكر سياسي أو فلسفي أول من امتلك أفكارا عصرية، لكنه كان آخر مصلح ديني شهدته العصور الوسطى؛ لأن الإصلاحات التي أجراها نجحت، بينما عجز الآخرون عن تغيير الموقف العام داخل أوروبا. فلولا قيام «حركة الإصلاح الديني» التي فاقت شخص لوثر وأتباعه الأوائل، لظل لوثر مجرد ناقد آخر عاثر الحظ للكنيسة الرومانية في العصور الوسطى، وربما كان سيعدم شأن غيره من المصلحين المخلصين الذين خلفوا ميراثا متواضعا على أفضل تقدير. ففي مدينة فورمس، يحيي النصب التذكاري الذي يخلد ذكراه، كذلك أربعة مصلحين سابقين له تم إقصاؤهم أيضا عن الكنيسة الرومانية، أحدهم من منطقة بوهيميا، وآخر من إيطاليا، وثالث من فرنسا، ورابع من إنجلترا. ويقف نصب لوثر منتصبا في المنتصف بما أنه الوحيد الذي صمد في وجه الحرمان من الكنيسة وخطر الإعدام، ليصبح بطلا في أعين بروتستانتيي القرن التاسع عشر الذين شيدوا النصب. وستوضح إشارة بسيطة إلى السابقين لمارتن لوثر السبب الذي يجعل نجاته من الإعدام ليست سوى سبب واحد من الأسباب التي جعلته الأكثر تأثيرا من بينهم جميعا؛ فلم يطلق مصلح آخر في العصور الوسطى حركة دينية بلغت المدى الجغرافي وحظيت بالتأييد السياسي الذي استأثرت به «حركة الإصلاح الديني البروتستانتي» في القرن السادس عشر.
كان أقدم أسلاف لوثر الذي احتل اسمه ركنا من النصب التذكاري هو بيتر والدو؛ وهو تاجر ثري عاش في القرن الثاني عشر من مدينة ليون الفرنسية، وتصرف والدو بناء على وازع شاع في العصور الوسطى، فتخلى عن ثرواته وأملاكه ليحذو حذو المسيح وحوارييه الأوائل كالقديس فرنسيس الأسيزي، لكنه بعكس الأخير لم يتلق قط هو وأتباعه غير الإكليريكيين (العلمانيون) إذنا بابويا بإلقاء الدروس الدينية أو تشكيل الجماعات الدينية، ومن ثم فقد استهانوا بالسلطة الكنسية، وألقوا الدروس الدينية بدون موافقتها، مستخدمين تراجم جزئية للإنجيل باللهجات المحلية، وفي غضون وقت قصير اكتسبوا أتباعا في جنوب فرنسا وإيطاليا. وأعلن أن هؤلاء الولدينيسيين - أو مساكين ليون كما لقبوا - مهرطقين بعد أن انتقدوا بذخ الكنيسة وممارساتها؛ كالدعاء للموتى وتقديم صكوك الغفران، ونبذوا من الكنيسة في عام 1184. لكن على الرغم من هذه الوصمة نجا الولدينيسيون من محاكم التفتيش التي كانت مهمتها معاقبة الهراطقة بالهجرة إلى أجزاء أخرى من أوروبا، مختبئين في وحدات صغيرة بين جبال الألب، وبتأسيس كنيسة متواضعة. وانضم أغلب الولدينيسيين فيما بعد إلى الجناح الكالفيني من حركة الإصلاح الديني البروتستانتي، لكن هذا لم يحصنهم من النفي والاضطهاد. واندلعت مذبحة غير مبررة لأتباع الحركة الولدينيسية الإيطاليين في عام 1655، امتدح على أثرها الشاعر جون ميلتون مبادئ أتباع الحركة ومعاناتهم في سونيتته الثامنة عشرة بعنوان «سونيتة مذبحة بيدمونت الأخيرة».
ثاني من احتل اسمه أحد أركان النصب التذكاري من أسلاف لوثر هو جون ويكليف، محاضر جامعة أكسفورد (الذي توفي عام 1384). كان ويكليف، الذي عد لزمن طويل أول مترجم للإنجيل إلى الإنجليزية، أقرب إلى الفلاسفة منه إلى فقهاء الإنجيل أو الناشطين الدينيين، لكن اسمه ارتبط بثورة الفلاحين التي قامت عام 1381، وبجماعات اللولارد السرية التي نشرت تراجم غير مصرحة للكتاب المقدس لم يكتبها ويكليف بقلمه. شكك ويكليف في أحقية الكنيسة في السيطرة على أملاك المواطنين، ورأى أن القس الفاسق يفقد حقه في ممارسة مهامه ويحتمل أن يقصى عن عضوية الكنيسة بمفهومها الحقيقي؛ بمفهومها كمجتمع من المؤمنين الصالحين الذين قدر لهم الرب سلفا الخلاص. واتهم لكل هذه الأسباب ولغيرها بالهرطقة، وأدان البابا وجامعة أكسفورد ومجلس كنسي عام معتقداته. ويرجح أن ويكليف أثناء عزلته في مدينة لوتروورث في العامين الأخيرين من حياته عانى من سكتة دماغية قبل أن توافيه المنية في عام 1384، ودفن في فناء الكنيسة، لكن نبش قبره وأخرجت عظامه عام 1428، بأمر من البابا مارتن الخامس، وأحرقت وألقي رمادها في نهر السويفت.
صمدت الكثير من كتابات ويكليف بعد وفاته، ويعود هذا بالأخص إلى الشعبية التي تمتعت بها أفكاره في أوساط الدارسين التشيكيين، الذين درس بعضهم في أكسفورد ونسخوا أعماله وعادوا بها إلى مدينة براج، حيث اطلع عليها جون هس ثالث أعلام حركة الإصلاح الديني الذين تظهر أسماؤهم على نصب مدينة فورمس التذكاري. كان هس دارسا وناطقا شهيرا باسم أفكار حركة الإصلاح الديني، واختير عام 1402 رئيسا لجامعة براج، ونصب الواعظ الرئيس لكنيسة بيت لحم الممولة بتمويل خاص، والتي أسست عام 1391 لخدمة الجامعة وشعب براج. ومن منبرها هاجم هس صكوك الغفران وشراء المناصب الكهنوتية والانتهاكات الأخلاقية البابوية، ورأى - شأنه شأن ويكليف - أن الكنيسة الحقة تتألف من مجتمع من المؤمنين المختارين، وتضمنت أطروحته في هذا الصدد فقرات من كتاب ويكليف، لكن لما عارضه بقوة أساتذة الجامعة الألمان، الذين شجبوا أطروحات ويكليف الخمس والأربعين، خسر في نهاية المطاف تأييد رئيس أساقفة مدينته، وأصدر البابا مرسوما بحرمانه كنسيا (طرده من المجتمع الكنسي). وفي عام 1414 استدعي للمثول أمام مجلس عام للكنيسة في مدينة كونستانس بجنوب ألمانيا، وفشل الملك سيجسموند في حمايته كما وعد، وسجن لعام بتهمة اعتناق آراء ويكليف الهرطقية التي أدانها المجلس الكنسي، وحوكم محاكمة غير منصفة أدين على إثرها، وغض الطرف عن احتجاجاته. وبعد أن تعرض للسخرية والإذلال لكونه مهرطق، أحرق على وتد في السادس من يوليو عام 1415، ونثر رماده على نهر الراين.
Неизвестная страница