إبراهيم بن السندي، قال الجاحظ: سمعت إبراهيم يقول: قلت في أيام ولايتي الكوفة لرجل من أبنائها، لم أر أكرم ولا أظرف منه، وكان لا تجف لبده ولا تسكن حركته ولا يستريح قلمه من أغاثه الملهوف وإعانة المكروب: ما الذي هون عندك هذا الأمر وقواك على هذا التعب؟ قال: سمعت تغريد الأطيار، وتجاوب المزمار والأوتار، فلم أطرب كطربي لثناء حسن على محسن فقلت: أحسنت ولله أنت! فلقد حشيت كرمًا كما ملئت ظرفا.
سعيد بن سالم شكا إليه مؤدب ولده إياه وقال: إنه يتشاغل عن الأدب بالتعاشق. فقال: دعه فإنه يلطف وينصف ويظرف.
محمد بن موسى الهاشمي بلغه أن عمر بن فرج السرخسي عتب عليه وتنكد به، فطرقه ليلًا فاعتذر إليه حتى رضي عنه، فلما قام لينصرف قال: خذوا الشمعة بين يديه. فقال: دعني يا سيدي حتى أمشي في ضوء رضاك. فقال: كلامك هذا حل العقد الباقية من سخطي عليك! يحيى بن زياد الحارثي قال: قال مطيع بن إياس: إن في النبيذ لمعنى من الجنة، لأن الله تعالى حكى عنهم بالحمد لله الذي أذهب عنا الحزن والنبيذ يذهب الحزن.
أبو الحارث جميز كان يقول: لو كان النبي كنزًا ما ورد في القرآن موضع سجدة.
وقيل له: أما يكسوك فلان؟ فقال: لو جاء يعقوب والأنبياء شفعاء والملائكة ضمناء يستعير منه إبرة يخيط بها قميص يوسف الذي قد من دبر لما أعارها فكيف يكسوني.
وقيل له في أوائل الشتاء: استوى الغني والفقير في الماء البارد. فقال: نعم ولكنهم لم يستووا في الماء الحار.
أبو عبد الله بن الجماز قال: شممت مرة في دار فلان رائحة أطيب من رائحة العروس في أنف العاشق الشيق.
وقال في دعوة: أتينا بمائدة أحسن من زمن البرامكة على العفاة.
وكان يقول: لا يقوى على الصوم إلا من طاب أدمه وطال تلقمه ودامت نعمه.
مزبد المدني سمع ضجيج الناس في يوم كسوف وريح عاصف وغبرة منكرة وقولهم: القيامة. فقال: ويحكم هذه قيامة على الريق، أين دابة الأرض؟ أين الدجال؟ أين نزول عيسى ﵇؟ أين طلوع الشمس من المغرب؟ أشهد أن هذه قيامة باردة.
الحسن بن جميل عزله ابن مدبر عن مصر، فأشير عليه بمدحه، فقال: إنه لم يطعمني في عرس مصر فيطعمني في طلاقها.
وتعشى ليلة عند صديق له، وخرج ويده زهمة إلى المنزل فقال: لأن أنصرف بها غمرةً إلى المنزل أحب إلي من أن أنصرف بها نظيفة إلى السجن.
أحمد بن سليمان بن وهب كان يقول: أطيب الأصوات صوت المعشوق، وصوت مؤذن بالري والنعماء، ثم تجاوب الهزار على الأوتار والمزمار.
وكان يقول: الرفق محمود إلا في أربعة مواضع: أكل الرمان والبطيخ وشرب الفقاع وفي البضاع.
أبو عمر غلام ثعلب كان يقول: لم يكمل المرء حتى يقرأ صرف أبي عمرو، ويتفقه على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، ويروي شعر ابن المعتز، ويلعب بالشطرنج.
محمود بن داود الأصبهاني كان يقول: نزاع النفس أهون من نزاع الشوق وقطع الأوصال أهون من قطع الوصال.
يحيى بن معاذ زار علويا فقال: إن زرتنا فبفضلك، وإن زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائرًا ومزورًا.
أبو المعالي الصوفي صاحب ابن المعتز، سمع أذانًا كريهًا فقال: هذا أذان يؤذي الآذان.
أبو القاسم الصوفي نديم عضد الدولة سئل يومًا عما يقترحه فقيل له: ما الذي يشتهيه الأستاذ لخاص طعامه؟ فقال: الشهيد ابن الشهيد، والشيخ الطبري في الرداء العسكري، وقبور الشهداء. فقال: عنيت الحمل والأرز باللبن والقطايف.
محمد بن أبي السيار وصف دعوة صديق له فقال: أتانا بأرغفة كالبدور متقطعة كالنجوم، وملح كالكافور السحيق، وخل كذوب العقيق، ونقل أهش من خضرة الشارب على المرد الملاح، وحمل له من الفضة جسم ومن الذهب بشر، وقلية أحمص من صنيع الذل في بلد الغربة، وأرزة ملبونة وفي السكر مدفونة، وخبيص أحلى من العافية وحسن العاقبة. وجاءنا غلام بشراب أحسن منه ذكره، ألطف منه وجهه، وأصفى منه وده، وأرق منه لطفه، وأذكى منه عرفه، وأعذب منه خلقه، وأطيب منه قربه.
الرضي أبو الحسن الموسوي النقيب كان يقول: من هوان الدنيا على الله تعالى أن أخرج نفائسها من خسائسها، وأطايبها من خبائثها، فأخرج الذهب والفضة من حجارة، والمسك من فارة، والعنبر من ورث دابة، والعسل من ذبابة، والخز من كلبة، والديباج من دودة، والقصب من حشيشة والإنسان من نطفة، " فتبارك الله أحسن الخالقين ".
1 / 15