Загадка Иштар
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Жанры
عندما اكتشف الإنسان القمح البري وبدأ بالاستقرار النسبي قرب حقوله، يتغذى ببعضها ويخزن البعض الآخر، صار لدورة الطبيعة أهمية أكبر بالنسبة لحياته. لقد دخل الخبز في نظامه الغذائي، وغير من عاداته الاجتماعية، فاستقر في الأرض مودعا حياة الصيد والالتقاط، وتمركزت كل حياته ونظمه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حول دورة الطبيعة، وتتابع الفصول الذي تعتمد عليه الدورة الزراعية السنوية. عند أعتاب هذه المرحلة تجمعت الأفكار الأسطورية المبعثرة والغائمة، عن غياب الأم الكبرى سيدة الطبيعة في الخريف، وعودتها مع خضرة الربيع، في أسطورة متماسكة تركزت حولها حياة الجماعة الدينية، كما تركزت حياتها الاجتماعية حول إنتاج الخبز.
إن نتائج الحفريات الحديثة في المواقع النطوفية والنيوليتية في سوريا، لتظهر بشكل واضح هذا الارتباط بين تطور البنى الروحية للجماعة، وتطور أسلوبها في تحصيل الغذاء. ففي المستوطنات النطوفية التي كانت تتحول إلى مستوطنات نيوليتية مع نهاية الألف التاسع قبل الميلاد، يتزايد ظهور التماثيل الطينية الصغيرة الممثلة لأشكال أنثوية رمزية، وذلك عند أعتاب التحولات الكبيرة التي ستشهدها المنطقة السورية، والتي ستنقل البشرية من مرحلة الصيد والالتقاط إلى مرحلة إنتاج الغذاء. هذه التماثيل الصغيرة هي النماذج البدئية لما سوف يغدو في المستقبل الأم السورية الكبرى، والتي ستبزغ بكامل أبهتها خلال الألف الثامن قبل الميلاد، وتتابع تحولاتها وتناسخاتها حتى الفترات التاريخية.
16
إن الحبيبات الصغيرة الجافة التي يدفنها الزراع في باطن الأرض، فتظهر في أول الربيع عشبيات خضراء تتحول مع فصل الصيف إلى سنابل ناضجة، لتختزل سر الطبيعة كلها، وسر الحركة الإلهية الكامنة وراءها. فروح الغاب والحياة البرية، هي الآن روح القمح التي تشكل دورة حياتها السنوية خلفية ماورائية لما يجري على مسرح الحقل. وعشتار سيدة الطبيعة التي لا تأمرها من عل، بل تشكل منها اللباب والروح والحركة الداخلية، إنما تمثل بنفسها كل ما يبدو على مستوى الطبيعة، ولأول وهلة، عصيا على الفهم والتفسير. إن دورة حياة القمح، ليست سوى دورة حياة الإلهة التي تقضي جزءا من السنة في العالم الأسفل وجزءا في العالم الأعلى. وجملة الأعمال الزراعية التي يقوم بها الإنسان من حصاد وحرث وبذر وما إليها، ليست أعمالا دنيوية، بل طقوس دينية مقدسة يمارسها على هامش الدرام الإلهي الكوني، مساعدة لروح الطبيعة على إتمام دورتها السنوية، والعودة مجددا في الربيع لتهبه غذاء عام آخر. فإذا كانت روح الطبيعة والإنبات في الماضي تغيب في باطن الأرض، ثم تعود دون تدخل من أحد، فإن روح القمح والحبوب تتطلب مساهمة من الإنسان وتدخلا من خلال عمله المقدس وطقوسه وصلواته. عند الحصاد، يندب الحصادون روح القمح الميتة، ثم يدفنونها في التراب؛ إذ يدفنون حبوب القمح اليابسة، ويقضون فصل الشتاء في الطقوس والصلوات لمساعدتها على صعود درجات العالم الأسفل. فإذا لاحت تباشير الربيع وظهرت رءوس السنابل الصغيرة، عم الجميع فرح طاغ، لقد عادت عشتار من جديد بين طقوس العمل وطقوس الابتهاج. إن الشكل رقم (
4-7 ) ليختصر هذا الدرام دون الحاجة إلى كلمة منطوقة أو مكتوبة واحدة .
شكل 4-7: عودة عشتار من العالم الأسفل - رسم إغريقي على الخزف.
بالنسبة لإنسان المستوطنات الزراعية الأولى، لم يكن هبوط عشتار إلى العالم الأسفل موتا، ولم يكن صعودها منه بعثا؛ لأنها سيدة العالمين معا. تمكث في العالم الأعلى جزءا من السنة لتهبه الخير والبركة والحياة، ثم تهبط إلى العالم الأسفل في جزء السنة الآخر لتحكم مملكة الأموات تاركة عالم الأحياء في جفاف. إننا لا نعرف الشكل الصافي الأول هذه الأسطورة؛ لأن ألوف السنين تفصل ما بينها وبين أول لوح مكتوب خطته يد الإنسان، ولكننا نستطيع رسم خطوطها العريضة اعتمادا على الأساطير اللاحقة والتي بقيت، رغم التطوير والتحوير، تحمل في صميمها نواة الأسطورة الأولى. ولكي نصل إلى هذه النواة يجب ألا يقتنصنا شكل الأسطورة في حلته الأخيرة الزاهية الألوان، بل علينا أن نغادره إلى مستوياته السرية، التي تقودنا عبر سراديب ضيقة شاقة المسالك إلى الأصل والمنبع.
بين الأساطير العشتارية المختلفة، وتنوعاتها في شتى الثقافات، تبدو أسطورة ديمتر وبيرسفوني اليونانية أقرب الأساطير كلها إلى الأسطورة الأم؛ وذلك لمحافظتها على طابع أمومي أصيل، وبقائها في منجاة، إلى حد ما، من المداخلة الذكرية.
كانت ديمتر عند الإغريق إلهة الحبوب بصورة عامة، والقمح بصوة خاصة، وكانت تدعى بالإلهة الشقراء كناية عن سنابل القمح الصفراء الناضجة. تصورها الأعمال الفنية على هيئة امرأة ذات قوام جميل ممتلئ بعض الشيء، ووجه جميل ولكنه قاس وصارم في نفس الوقت، تضع على رأسها إكليلا مضفورا من سنابل القمح، أو تحمل بيدها باقة منه، وقد تحمل مشعلا مضيئا. تعزو إليها الأساطير اكتشاف القمح وتعليم البشر زراعته والاستفادة منه في جميع بقاع الأرض المعمورة. كما تعزو إليها تعليم ملوك البشر الأوائل شتى أنواع العلوم التي يسرت لهم أسباب الحضارة. كانت عازفة عن الزواج وعن الرجال؛ ولكن إله البحار بوسيدون استطاع النيل منها بعد أن فرت من وجهه طويلا، وكذلك نال منها كبير الآلهة زيوس. وعندما أحبت «إياسون» أرسل عليه زيوس صاعقة قتلته.
17
Неизвестная страница