Загадка Иштар
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Жанры
أما مناة فالاسم مشتق من المنية. وقد استعمل العرب كلمة المنية بمعنى الموت، ولكنها في الحقيقة لا تعني الموت بحد ذاته، بل صفة له باعتباره أمرا مقدرا لا مهرب منه.
51
هذه السيطرة على المصائر والأقدار، قد أعطت الأم الكبرى في جميع الحضارات اسم «النساجة»، وأيضا «الغزالة»، فهي التي تحيك نسيج الحياة، وتغزل خيط القدر. وهي إذ تحضر إلى سرير الميلاد كربة للولادة، فإنها في نفس الوقت تحضر كسيدة للمصير، وتكتب لكل مولود أقداره. ولا يقتصر دورها على قيادة مصائر البشر، بل هي التي تغزل أيضا خيط أقدار الكون برمته. وقد مثل الفكر الأسطوري هذا الجانب من جوانب الأم القمرية بربات ثلاث: هن ربات القدر، يظهرن في فن بلاد الرافدين واقفات على تيس ذي قرنين كبيرين، وفوقهن يتوسط الهلال المشهد. وفي الثقافة الإغريقية يظهرن تحت اسم «الموريا» ربات القدر الثلاث المولودات من الليل البدئي، اللواتي يحلقن فوق آلهة الأوليمب. وتبدو أفروديت نفسها في بعض أشكالها ككبرى الموريا الثلاث.
52
والسيدة مريم العذراء تصور في كثير من الأيقونات البيزنطية التي تعالج قصة البشارة، وقد أمسكت بيدها خيطا يمر من وسط جسدها ملفوفا على مغزل، وموضوع البشارة من أحب الموضوعات الدينية إلى قلب صانعي الأيقونات البيزنطية وأكثرها انتشارا؛ نظرا لأهمية سر التجسد في المعتقد المسيحي ونتائجه الخلاصية. ويورد لنا دليل التصوير الأثوسي التقنية التي يترتب على الرسام اتباعها في رسم هذه الأيقونة: «تمثل العذراء جالسة على عرش مواجهة الملاك، أو مديرة ظهرها قليلا ناظرة إليه أو خافضة عينيها تتأمل. تمسك بيدها اليسرى الموضوعة على ركبتها خيط حرير أحمر ملفوفا على مغزل، يمر بين سبابة وإبهام يدها اليمنى الموضوعة على صدرها، وفي أعلى الأيقونة دائرة داكنة تحوم وسطها حمامة بيضاء رمز الروح القدس، وتنحدر منها ثلاثة شعاعات نور على البتول القديسة.»
53
وفي بعض لوحات عصر النهضة، تظهر بوضوح علاقة الخيط الذي تغزله العذراء بخيط القدر؛ ففي إحدى هذه اللوحات وهي من ألمانيا القرن الرابع عشر، تظهر السيدة جالسة إلى مغزل وقد أمسكت بيديها خيطه الذي يتقاطع عند سرتها مع دائرة تحتوي الجنين الإلهي.
تستمر الأسطورة دائما حية في الخيال الشعبي بعد زوال تأثيرها الديني والروحي، من خلال الحكايا الفلكلورية وحكايات الأطفال. فبعد تفكك الأسطورة العشتارية، لم يبق من الأم الكبرى سوى جانبها السالب المعتم الذي ما فتئت الأسطورة الذكرية تكرسه وتفرزه عن بقية الوجوه العشتارية، حتى لم يبق من عشتار سوى جنية الظلام، والغولة والنهالة، والساحرة العجوز. وقد استمر مغزل عشتار متداولا إلى يومنا هذا في حكايات الساحرات الشريرات اللواتي يغزلن به دوما المصائر السوداء. وفي إحدى قصص الأطفال المتداولة حاليا في بلادنا، والمستمدة من الفولكلور الأوروبي، يرزق أحد الملوك بابنة جميلة بعد عقم طويل فيقيم احتفالا كبيرا يدعو إليه نبلاء الدولة وأعيانها. وكان في البلاد اثنتا عشرة ساحرة، كلهن طيبات إلا واحدة كان همها الأذى وتدبير الشر. دعا الملك الساحرات الطيبات إلى الحفل، وأخذت كل واحدة منهن تهب الفتاة نعمة من النعم، فأعطتها إحداهن الجمال والأخرى الصحة ، والثالثة الخلق الحسن ... وهكذا حتى انتهين. عند ذلك هبت على المكان عاصفة قوية، ودخلت الساحرة الشريرة العجوز، فوقفت عند سرير الطفلة مقدمة بدورها هديتها، فقدرت على الفتاة أن تموت بوخزة من إبرة المغزل. أمر الملك بإحراق كل المغازل في الدولة لكيلا تتحقق النبوءة. ولكن الساحرة استطاعت بمكرها وبعد سنوات من الدأب، أن تضع في طريق الصبية مغزلا فأمسكت به وماتت.
إن حضور الساحرات الاثنتي عشرة إلى سرير الميلاد في هذه الحكاية، هو تكرار للحضور العشتاري القديم في لحظة الميلاد كربة للولادة وسيدة للمصير. وما نطقت به الساحرة الشريرة، ليس في الواقع إلا تكملة طبيعية لما نطقت به الساحرات الطيبات. هن رسمن مسار حياتها الأبيض، وعين لها الصفات والخصائص الطبيعية المولودة معها، وهي غرزت خيط مغزل القدر في نسيج الحياة، ورسمت مصيرها الأسود، مصير كل كائن حي. أما حصر عدد الساحرات باثنتي عشرة، فلأن هذا الرقم بالتحديد يمثل الزمن الذي يحمل في طياته وجريانه المصير. إنه عدد شهور السنة، وهو المثلث القمري مضروبا في أربعة، وعدد شهور الفصل الواحد مضروبا بعدد فصول السنة.
عشتار، كوكب الزهرة
Неизвестная страница