Загадка Иштар
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Жанры
ولقد جاءت بينات البحث الأركيولوجي الحديث لتثبت بعض سمات المجتمعات الأمومية القديمة؛ فالمستوطنات المستقرة الأولى في سوريا منذ الألف التاسع إلى الألف السادس قبل الميلاد، كانت تهجر بعد فترات طويلة من سكناها دون بينة على وجود تدمير أو حرائق أو حروب. ولا يشذ عن ذلك مدينة أريحا الشهيرة بسورها الكبير،
7
فرغم تأكيد البعض على الغاية الدفاعية لهذا السور، فإن البينة الموضوعية لم تؤكد ذلك، خصوصا وأن المدينة لم تكشف بكاملها بعد، ولم تظهر طبيعة الأجزاء المدفونة الباقية من ذلك السور الذي ربما كان مجرد تقنية هندسية لدعم المنازل الملاصقة له. يضاف إلى ذلك أن مستوطنات تلك الفترة لم تعرف الأسوار قط.
8
غير أنه يجب ألا يتبادر إلى الذهن أن دور الرجل في الجماعة الأمومية كان دور التابع؛ ذلك أن الرجل قد بوأ المرأة مكانتها احتراما وتقديرا لا خنوعا، ورجال العصر الأمومي كانوا أكثر عزة وأنفة وفروسية من رجال العصر البطريركي؛ فقد نقل إلينا مؤرخو اليونان ممن احتكوا بأقوام كانت تعيش آخر عصور الأمومية، أو سمعوا بأخبارها، أن رجال تلك المجتمعات كانوا من أفضل فرسان عصرهم على الإطلاق، وكانت بطولتهم وتضحيتهم في المعارك مضرب الأمثال.
9
ثم يأتي أرسطو في كتابه «السياسة» فيؤكد هذه الحقيقة ويجعل منها ظاهرة شمولية عندما يقول إن أغلب الشعوب العسكرية الميالة إلى القتال هي شعوب منقادة إلى النساء. ذلك أن المرأة رغم طبيعتها المسالمة، تسلك سلوك اللبوة الكاسرة عندما يتعرض أشبالها للخطر.
مر المجتمع الأمومي عبر تاريخه الطويل بمراحل متعددة، انتهت بالانقلاب الكبير الذي قام به الرجل متسلما دفة القيادة من المرأة ومؤسسا للمجتمع الذكري البطريركي.
ونستطيع تتبع وفهم تلك المراحل، بتتبع أشكال العائلة الأمومية ونمط العلاقة الجنسية في كل شكل. ففي البدايات السحيقة للتجمعات الإنسانية، كانت العلاقات الجنسية حرة تماما دون ضابط أو قانون، حيث كل امرأة لكل رجل، وكل رجل لكل امرأة. وهذا الطور موغل في القدم لدرجة يستحيل معها تقديم القرائن المباشرة على وجوده؛ إلا أن إثباته يتأتى من أطوار لاحقة له منبثقة منه، أطوار حل فيها نوع من التنظيم المتطور. والتنظيم عادة لا يأتي إلا لضبط حالة سابقة من الفوضى وانعدام النظام. ولعل نظام عائلة قرابة الدم هو الشكل الأول الذي ورث وضع الفوضى البدئية . فوفق هذا النظام تنقسم الجماعات الزواجية حسب الأجيال، فنجد جميع الجدود والجدات في نطاق القبيلة أزواجا فيما بينهم، وكذلك الأمر فيما يتعلق بأولادهم؛ أي الآباء والأمهات؛ بينما يشكل أولاد هؤلاء الأخيرين الحلقة الثالثة في حلقة الجماعات الزواجية. وهكذا نجد أن هذا الشكل قد حرم العلاقة الجنسية بين الآباء والأبناء، من دون الإخوة والأخوات. ثم جاءت الخطوة التالية لتحرم العلاقة الجنسية بين الإخوة والأخوات. وهذا ما أدى إلى تفتيت المشاعات القديمة وظهور عائلات زواجية أضيق، حيث كانت مجموعة من الإخوة من أم واحدة تدخل في علاقة زواج مشترك مع عدد معين من النساء لا يوجد بينهن أخوات لهم، والعكس صحيح. عن هذا الشكل الثالث للعائلة القديمة نشأت أشكال فرعية وتنويعات متعددة، وكلها تبيح العلاقة الجنسية بين شريحتين واسعتين من دون الإخوة والأخوات المباشرين، أو عبر خطوط القرابة المنحرفة. وبما أنه في كل هذه الجماعات الزواجية لا يمكن معرفة والد الطفل؛ فقد كان الأولاد ينتسبون لأمهاتهم ويعرف كل واحد بأمه لا بأبيه. وهذا ما أطلق عليه الباحثون اسم «حق الأم»، الذي يشمل انتساب الولد لأمه وما ينشأ عن ذلك من علاقات وحقوق اجتماعية واقتصادية مختلفة. أما الشكل الرابع من أشكال العائلة؛ فهو العائلة الثنائية التي بدأت بالتكون تدريجيا داخل الشكل السابق، حيث كان لكل رجل زوجة رئيسية داخل مجموعة الزوجات، يساكنها فترة تطول وتقصر، وكان بالنسبة إليها الزوج الأساسي في عداد أزواج كثيرين. وقد تحولت هذه المساكنة الطويلة إلى زواج ثنائي وعائلة صغيرة مؤلفة من زوجين وأبنائهما المباشرين. في هذا الزواج الثنائي حافظت المرأة على وضعها المتميز السابق، فكانت حرة في فصل الزواج متى شاءت، فيعود الأولاد إليها لا إلى الزوج الذي يخرج من البيت صفر اليدين. كما بقي الأولاد ينتسبون إلى أمهم وعشيرتهم، لا إلى أبيهم الذي كان ينظر إليه دوما كغريب. وبناء على «حق الأم» لم يكن الأبناء يرثون ثروة آبائهم؛ بل يرثون عن أمهاتهم على قدم المساواة مع بقية أقربائهم بالدم، أما تركة الأب وممتلكاته فكانت تذهب إلى إخوته وأقربائه بالدم. إلا أنه مع تزايد الثروات بتأثير حياة الاستقرار والزراعة، كان مركز الزوج الاقتصادي يتدعم باستمرار على حساب مركز الزوجة، وثرواته وممتلكاته تتزايد، الأمر الذي أدى بجماعة الذكور إلى التفكير جديا بقلب نظام الوراثة القديم لصالح أولادهم. وقد نجحوا في ذلك خلال المرحلة الأخيرة السابقة لظهور المدن الأولى، حيث أفلح الرجل أخيرا في القضاء على «حق الأم» وإحلال «حق الأب»، وظهرت العائلة الأحادية التي تقوم على سيادة الرجل مع الرغبة الصريحة في ولادة أولاد تكون أبوتهم ثابتة لا جدال فيها من أجل تمليكهم وتوريثهم. فكان إسقاط حق الأم هزيمة تاريخية عالمية للجنس النسائي، ابتدأ مع تاريخ استذلال المرأة واستعبادها.
10
Неизвестная страница