وحين وصل الغضب قشرة العقل المكتسبة، وانفعل العميد الذي فيه، كان أكثر ما ضايقه أنها لا بد في السنة الأولى، طالبة جديدة، يعني بالأمس فقط كانت طفلة في ثانوي.
ورغم كل غضبه لم يتحرك إلا حينما تحرك الوالد الذي فيه وتململ، وأدرك كالمدهوش، أنها تكاد تكون في سن ابنته «لمياء»، حينما فقط استدار مغادرا النافذة في طريقه إلى حيث أزرار الجرس الموضوعة في مكانها الخالد الذي يتوارثه العمداء فوق المكتب.
وربما لو كان في الحجرة أحد .. أستاذ أو لجنة أو حتى لو كانت في انتظار مقابلة كائن ما لكانت الحركة قد اكتملت وكانت يده حتما قد وصلت إلى الزر. والساعي المرابط أمام الباب حضر والفصل لأسبوع أو لأكثر من الكلية أو حتى الزجر والضرب قد حدث.
ولكنه كان وحده في حجرة العميد الواسعة المهولة ذات النافذة الجانبية الضيقة. والحجرة تغري بالتريث، والنافذة الضيقة تغري بتدقيق النظر وفي حالته كان الإغراء كبيرا بإعادة النظر.
وعاد إلى استمرار النظر.
الحجرة في دور أول لا يرتفع عن الأرض قليلا. والفناء الخلفي الذي تطل عليه النافذة الجانبية خال تماما من الطلبة فهو في العادة مكان غير مرغوب من الطلبة، والساعة اقتربت من الثالثة. واليوم الدراسي انتهى، ولولا مراجعة جدول الامتحان لما كان هو نفسه قد بقي إلى هذا الوقت ولما قام من النافذة منهكا يتثاءب ويتمطى ويأخذ فكرة عن الجو بالخارج. ولما شاهدها، تلك الطالبة الصغيرة التي ما إن بدأ عقله يتساءل عما أتى بها إلى هذا المكان المهجور، وبعد انتهاء الدراسة، حتى كان الغضب قد اجتاحه. وجدها بكل بساطة وتحت أنف نافذته تخرج - بل أخرجت فعلا - علبة سجائر من حقيبة يد مستطيلة ضخمة، وعبثت بكراريس المحاضرات المختلطة بأدوات التجميل قليلا، وما لبثت أن أخرجت علبة كبريت أيضا.
طالبة. واضح تماما أنها لا بد في السنة الأولى. تدخن وتحمل معها في الحقيبة علبة سجائر وعلبة كبريت؟!
هكذا من النظرة الأولى تفجر الغضب.
ولكن النظرة التالية كانت نظرة مذهولة يستبعد تماما أن يصدق أن شيئا كهذا يمكن أن يحدث، مؤجلا التصديق إلى أن يراها فعلا وهي تدخن .. خاصة والفتاة كانت لا تزال ممسكة السيجارة في يد والكبريت في يد أخرى، وكأنما لم تقرر بعد ماذا تفعل بشأنهما.
وتأملها العميد، كانت طالبة عادية، لا يمكن إذا رآها في مجموعة أن تستوقف النظر، شعرها مهوش على طريقة الجيل الجديد في الأناقة، وعيناها ذابلتان، لا بد من المذاكرة والسهر، متكئة، تكاد تكون مستلقية - بعد يوم متعب حافل - على الأريكة التي لا يستعملها أحد، ولكن شبابها الفائر يكاد يقفز من وجنتيها المحمرتين رغم قمحية بشرتها، ومن جسمها البارز في أكثر من مكان من ملابس الطالبة الرخيصة التي ترتديها.
Неизвестная страница