فالخلط الهاذر مذهب لم يخلقه دعاة «اللامنطقية» في القرن العشرين، ولكنهم خلقوا شيئا واحدا فيه لم يسبقهم أحد إليه؛ وهو إطلاق العناوين العلمية عليه واستعارتها من دراسات التحليل النفساني، أو من دراسات العلوم الطبيعية، وقديما وجد في الشعراء والفنانين من يجنح به هواه أحيانا إلى رفع الكلفة، واطراح الحشمة والابتذال في اللفظ أو المعنى أو في كليهما، فيسترسل في الهذر واللغط كأنه في إجازة من «نفسه الفضلى» كما يقولون ... وينسب إلى هذه النزوات شعر المجانة والهزل، وشعر الإباحة والجموح، وينسب إليه كذلك ضرب من الشعر الذي يخيل إلى الناس أنه محدثهم بالحكم والأمثال وهو في أسلوبه الهازل ساخر بضروب الحكمة والمثل، كما صنع ابن سودون اليشبغاوي (810-868ه) في قصيدته البائية التي يقول فيها:
عجب عجب عجب عجب
بقر تمشي ولها ذنب
ولها في بزبزها لبن
يبدو للناس إذا حلبوا
لا تغضب يوما إن شتمت
والناس إذا شتموا غضبوا
من أعجب ما في مصر يرى
الكرم يرى فيه العنب
والنخل يرى فيه بلح
Неизвестная страница