وعلى غير هذا النسق تجري أوزان الكلمات في اللغات الأخرى، وأولها لغات النحت على التخصيص، فإن الكلمات فيها قد تجري على وزن واحد بغير دلالة على اتفاق في المعنى، ولا في تقسيم الأسماء والأفعال والحروف، ولولا هذه المشابهة العرضية بين بعض كلماتها لكان فيها من الأوزان عداد ما فيها من الكلمات.
إن كلمات «آن وبان وتان وثان وجان وذان وران وفان ومان» توجد في اللغة الإنجليزية اتفاقا، ومنها الحروف والأفعال والأسماء، فليس بين أوزانها ومعانيها ارتباط على الإطلاق كالارتباط القياسي، الذي يوجد في أوزان اللغة العربية كلها اطردت على قياس واحد، وهذا الذي نعنيه بدلالة الحركة الموسيقية في تركيب المفردات على حدة، بعد ما رأيناه من دلالة المخارج الصوتية على شاعرية اللغة في تكوين الحروف.
وقد يختلف الفعلان في قوة التعبير باختلاف الحركة بينهما، كما يحدث بين قسم وقسم بتشديد السين، وكما يحدث بين شهد وشاهد، وبين عرف وعرف، وبين الأفعال اللازمة والأفعال المتعدية لمفعول واحد أو لمفعولين على وجه التعميم.
وتختلف الأوزان في الجموع، فتدل على الكثرة أو القلة كما تختلف أوزان الصفات أحيانا، فتدل على التمكن أو النقص في تلك الصفات، ومن أمثلتها صفات الكبير والمتكبر والمكابر والكبارة، إلى أشباه هذه الفوارق الخفية التي لا نظير لها في غير اللغة العربية.
ومن خصائص هذه اللغة البليغة في تعبيراتها أن الكلمة الواحدة تحتفظ بدلالتها الشعرية المجازية، ودلالتها العلمية الواقعية في وقت واحد بغير لبس بين التعبيرين.
فكلمة الفضيلة تدل بغير لبس على معنى الصفة الشريفة في الإنسان، ولكن مادة فضل بمعنى الزيادة على إطلاقها لا تفقد دلالتها الواقعية على المواد المحسوسة، بل يصح عند جميع المتكلمين والمستمعين أن يفهموا «فضول» القول على أنه وصف غير حميد ؛ لأن الزيادة في غير جدوى تخالف الزيادة المطلوبة إذا كان المقام مقام القول في صفات الكلام.
بل يجوز للمتكلم البليغ أن يستخدم مادة البلوغ للوصول إلى البلد أو المكان، ويستخدم مادة البلاغة والإبلاغ للوصول إلى إقناع العقول، والإفضاء إليها بالأثر المنشود من المقال.
ولا يصعب الجمع بين التعبير الواقع والتعبير المجازي الشعري في مئات من الكلمات تجري على الألسنة كل يوم، وتؤدي إلى السامعين معانيها النظرية الفكرية، ومعانيها الحسية في وقت واحد بغير لبس بين المقصود في كل مقام.
فلا لبس في قول القائل: إنه «يقيد شوارد الأفكار»، ولو شفعها بعد ذلك باستخدام كلمة القيد في تقييد الأسير والسجين.
ولا لبس بين الشرف بمعنى رفعة المقام وبين الشرف الذي يفهمه السامع، إذا سمع عن بناء من الأبنية أنه قائم على شرف من الأرض، أو أنه مشرف على ما دونه من الأمكنة.
Неизвестная страница