إلا أنه مع إقباله على متعة الحياة لم يكن يرضى لنفسه مكان الرجل الجبان، الذي يهرب من واجبه كلما دعي إليه.
وإن أدع للجلى أكن من حماتها
وإن «تقبل» الأعداء بالجهد أجهد
فهو في الجملة نموذج للشاب النبيل الذي يرضي نفسه، ولا يرضى عنها إذا تخلفت عن أنداده ونظرائه في مقام الشجاعة والندى، ولا يقبل من قومه إذا أعطاهم حقهم في ساعة الشدة أن يحولوا بينه وبين «ساعة المتعة» بتخويفه من اللوم، أو تخويفه من عواقب الإشراف. •••
والنموذج الآخر - حاتم بن عبد الله - مثل من أمثلة الرجولة الناضجة، وقدوة للسيد المسئول عن قومه، وإلى هذا اليوم يضرب المثل بالكرم الحاتمي في أحاديث الناس الذي يعرفون من هو حاتم هذا، أو الذين لا يعرفون منه إلا اسما أصبح في عداد الصفات المتجمعة للنبل والكرامة.
واتفق الرواة على أنه «رجل يصدق قوله فعله، وإذا قاتل غلب، وإذا سئل وهب، وإذا سابق سبق، وإذا أسر أطلق.» وقد شهدت بنته البعثة الإسلامية وجيء بها مع أسرى قبيلتها إلى النبي - عليه السلام - فقالت: يا محمد! هلك الوالد وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني فلا تشمت بي أحياء العرب، فإني بنت سيد قومي، كان أبي يفك العاني ويحمي الذمار، ويقري الضيف ويشبع الجائع ويطعم الطعام ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا بنت حاتم طيء.
وشهد السامعون بصدقها ولم يكن يخفى على النبي حقيقة قولها، فقال - عليه السلام: خلوا عنها، إن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق.
وما من صفة من هذه الصفات إلا قد تواترت الأنباء بتأييدها، وتكررت النوادر التي تثبتها، وجملة ما يقال عن هذا النموذج أنه كان سيدا ينهض بأعباء قومه، ويخجل من العيش الرغد إذا كان في قومه من يشقى بالفقر وبالأسر، ويكرم نفسه مع الحلم في ساعة الغضب، قائلا وعاملا بما يقول:
فنفسك أكرمها فإنك إن تهن
عليك فلن تلقى لك الدهر مكرما
Неизвестная страница