156

Логические ошибки

المغالطات المنطقية

Издатель

مؤسسة هنداوي

Место издания

٢٠١٩ م

Жанры

النبوءةَ متمنِّعةً على التكذيب أصلًا وأساسًا، وتجعلها مساوِقةً لكل ملاحظةٍ ممكنة، وموافِقةً للشيء ونقيضه، ومهما يكن مآل الأمور فإنه سيكون متفقًا مع تأويلٍ معينٍ من تأويلات العبارة، وقد دأب الناس بدورهم على أن يُسبغوا على النبوءة التأويلَ الذي يريدون، إن مغالطة التشابه مكينةٌ في حياة البشر ضاربةٌ في صميم العقل الإنساني. كانت المنطوقاتُ المتشابهات هي عُدَّة كاهنات الوحي في دِلفي باليونان القديمة، يروي هيرودوت أن الملك كروسوس ملك ليديا أخذ مشورة كاهنة الوحي في دلفي قبل أن يَشْرَعَ في حربه ضد سَيْرُس (قورش) ملك فارس، فكانت النبوءة: إذا ذهب كروسوس ليحاربَ سَيْرس فسوف يُدَمِّر مملكةً عظيمة. ابتَهَجَ كروسوس للنبوءة، وقد فهم أنها تعني أنه سوف يُدَمِّر مملكة فارس العظيمة، فزحف بجيشه لقتال سيرس ولكنه مُنيَ بالهزيمة على يد ملك الفرس، وإذ كُتب له البقاء فقد عاد إلى دلفي وشكا مُرَّ الشكوى مما لحق به بعد أن تلقى مشورة الوحي، هنالك ردَّت الكاهنات بأن نبوءة دلفي كانت صادقةً تمامًا: «بذهابه إلى الحرب دَمَّر كروسوس مملكةً عظيمةً - مملكته هو!» والحق أنك لو أنعمت النظرَ في منطوق النبوءة فسوف تلاحظ أنها لم تُبيِّن بوضوح أي «مملكة» تلك التي سيلحق بها الدمار، وقد ألمح هيرودوت إلى أن كروسوس كان ينبغي عليه، لو أنه فطنٌ حقًّا، أن يعود ثانية ليسأل الكاهنة أي «مملكة» تَعني. وفي مسرحية مكبث لشكسبير تقول إحدى نبوءات الساحرات: «كن جريئًا رابط الجأش فاقد الرحمة، فلن يستطيع حيٌّ وضعته أنثى أن يضر بمكبث.» فلما اقتتل مكبث وعدوه ماكدوف قال مكبث: «محال أن تحاول: ليس في طاقتك أن تسفك دمي، أكثر مما في قدرتك أن تطبع في الهواء أثر حسامِك، اذهب وحارب غيري ممن تُمس جسومهم، أما جسمي ففي حماية رُقيةٍ سحرية، لا يحلها إلا رجلٌ لم تضعه امرأة.» هنالك قال ماكدوف: «أنا ذلك الرجل، دع وهْمَ رقيتك السحرية، واعلم أن ماكدوف نُزِع من بطن أمه نزعًا، ولم تضعه أمه وضعًا.» لقد وُلِد ماكدوف ولادةً أشبه بالقيصرية ولم تلده أمه ولادة طبيعية، حين أدرك مكبث «التشابه» amphiboly الذي أضاعه صاح قائلًا: لا يَحْسُن بعاقلٍ منذ اليوم أن يُصدِّق الشياطين الخداعين الذين يغروننا بألفاظ ذات معنيين، فيَسُرُّون آذاننا بالمواعيد ثم يخيبون آمالنا - لن أقاتلك.

1 / 174