كانت الساعة قد جاوزت العاشرة وعباس ما زال يرود الشوارع بلا عمل، إلا أنه لا يريد أن يعود إلى أبيه. ولم يكن على موعد أن يذهب إلى إيفون في يومه هذا، ولكنه لسبب لا يدريه وجد نفسه مشوقا إليها، كما وجد في نفسه الجرأة أن يتجه إلى بيتها ويصعد إلى حجرتها دون أن يخشى مغبة هذا الذهاب المفاجئ، وما قد يكمن في حجرتها التي لم تتوقعه من مفاجآت. قدر هذه الأخطار جميعا، ولكنه استهان بها وانطلق في تصميم إلى حجرة إيفون.
وطرق الباب، وكانت إيفون قد ارتدت ملابس النوم، وما كانت هذه الملابس شفافة، ولا هي مما تزيد المرأة جمالا. كانت جلبابا من القماش العادي. وأدركت إيفون أنه هو الطارق، وفكرت أن تغير ملابسها، ولكنها خشيت وقفته الطويلة أمام الباب، فلم يطل ترددها. وفتحت لعباس الذي وقف صامتا جامدا إلى الحجرة. وقالت إيفون: خير يا عباس، هل هناك شيء؟ - لا أبدا، ألأنني جئت على غير موعد؟ لقد أردت أن أراك، هذا كل ما هناك. - وأنا أريد أن أراك دائما.
وفي هذه الليلة تطورت العلاقة بين إيفون وعباس بعد أن تخلص عباس من الخوف الذي كان يداخله. وباتت إيفون في ليلتها تلك وقد ودعت عهدا من العذرية والبراءة، لتستقبل عهدا جديدا لا تدري ما مصيرها فيه.
ذهب عباس إلى البيت، وحين شارفه رأى حجرة أبيه مضيئة، بل رأى الشقة جميعها مضيئة، فسارع الخطو، حتى إذا بلغ الباب الخارجي وجد وهيبة واقفة وحدها تكلم لطفي، وثار لهذه الوقفة، وغضب أن يرى لطفي وحيدا مع أخته، فقال له في حدة: ماذا تفعل هنا يا لطفي الآن؟! وأنت ماذا تفعلين؟
وكانت لهجة صارمة حتى لقد أحس الاثنان أنهما يرتكبان ذنبا هما براء منه. واستطاعت وهيبة في ثقة أن تخبره أن أباها وأمها والجميع قلقون لغيابه طول النهار، وأن لطفي كان يبحث عنه وقد جاء ينبئها أنه لم يجده.
واستأذن لطفي دون أن يقول شيئا إلا تحية واهية ألقاها عفوا، ثم استدار وانصرف.
وقال عباس لأخته: اذهبي فقولي لأبي إني جئت. - وأنت لماذا لا تدخل إليه؟ - إنه لا يريد أن يراني. أنا ذاهب إلى حجرتي.
وصعد الأخوان، واتجه عباس إلى حجرته، وذهبت وهيبة إلى أبيها وأمها فأخبرتهما بمجيء عباس، فإذا الشيخ سلطان يقول في غضب مرتاح هادئ: لا وعى يجيء. جاءته داهية.
وانتفضت زكية تقول في خوف: لا حول إلا بالله يا شيخ سلطان! لماذا يا رجل؟! إنه ابنك! - ابني ... ابني ... أنا براء منه ليوم القيامة.
وتقول الأم المسكينة في إذعان: لا حول ولا قوة إلا بالله! لا حول ولا قوة إلا بالله.
Неизвестная страница