ما أجمل القيامة! وإذا آمن الناس بها فلا لأنهم رأوا الأموات يقومون، ولكن لأنهم يتمنون أن يقوموا، فهم يؤمنون بما يتمنون لا بما يعتقدون، كأنهم تمنوا، فكان الدين، أو كان الدين فكان ما يتمنون، وإذا فتشت وجدت أن الأديان كلها أماني، وإذا خلت الأديان من هذه الأماني فلا يؤمن بها أحد.
لا يهم الناس ما في هذا الدين أو ذاك من أصول وعقائد، بل إن أكثرهم لا يفهمون هذه الأصول، ولا يفهمون هذه العقائد، وإنما يهمهم ما في الدين من أماني، وإذا تمنوا القيامة فلا ليتمتعوا بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لا ليلبسوا تيجانا من الذهب، لا ليروا سماء من عقيق أو ياقوت أو زبرجد، ولكن ليلقوا أعزاءهم، هذه أمنية الأماني، ولكن متى تكون هذه القيامة؟! متى تكون؟ ... هذه هي المسألة التي حيرت الأفكار قاطبة ...
لقد مات المؤمنون منذ كانوا وكان الدين، ولا يزالون يموتون على رجاء هذه القيامة، ولكن طال الانتظار جدا، وأي رجاء يعيش مع هذا الإبطاء.
ثم ألم يكن أقرب إلى رحمة الله أن يجعل عالمنا هذا مثل ذلك العالم الآخر لا غم فيه ولا هم ولا وجع ولا تنهد ولا موت، فنكفي هذا الشقاء؟!
ومع ذلك فقد كان من المنتظر أن يهون الدين الموت على الناس، على الراحلين والمقيمين منهم، ولكن الذي نراه أن أشد الناس تدينا وتشوقا إلى ملكوت الله لا يزالون يؤثرون هذه الدنيا التي يصفونها بأنها وادي البكاء على تلك الجنة التي وعد بها المتقون، يؤثر الأب أن يكون ولده معه على أن يكون في صفوف الملائكة، ويؤثر الزوج أن تكون امرأته معه على أن تكون في جوار ربه.
بل إن المسيح الذي قال إن مملكته ليست من هذا العالم، والذي ازدرى الدنيا، وعاش فيها معيشة الزاهدين، والذي أعلن أنه ابن الله، وأنه إذا ارتفع إلى السماء جلس عن يمين أبيه، إن المسيح نفسه في ساعاته الأخيرة دهش، واكتأب، وقال:
يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فأجز عني هذه الكأس.
لا يعزيني قول الفلاسفة إن الموت ليس فناء، ولكنه استحالة وتغير، وأن الجوهر لا يفنى وإنما تبطل الأعراض والنسب والإضافات.
وأن الموت تمام حد الإنسان لأنه حسب تعريفهم «حي ناطق مائت» فالموت تمامه، والواجب على العاقل أن يستوحش من النقصان، ويأنس بالتمام.
وأن كل كائن فاسد لا محالة، فمن أحب أن لا يفسد فقد أحب أن لا يكون، ومن أحب أن لا يكون فقد أحب فساد ذاته، فكأنه يحب أن يفسد، ويحب أن لا يفسد، ويحب أن يكون، ويحب أن لا يكون، وهذا محال.
Неизвестная страница