Уроки в вероучении - Аль-Раджхи
دروس في العقيدة - الراجحي
Жанры
شرك الدعاء
فإنه لا يزال الحديث موصولًا بالكلام على توحيد الألوهية -وهو العبادة- وما ينافيه من الشرك، وقد سبق أن استعرضنا بعض أمثلة الشرك في العبادة، وهي: شرك المحبة، وشرك الخوف، وشرك الرجاء.
ومن الأمثلة كذلك: الشرك في الدعاء، وهو: أن يدعو الإنسان غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يدعو ميتًا أو غائبًا أو حيًا حاضرًا أو جنيًا أو شجرة أو قبرًا أو وليًا أو ملكًا، أو غيرهم ممن هو عاجز لا يقدر، فيكون قد أشرك بالله ﷿ شركًا أكبر يخرجه من ملة الإسلام.
وسواء أكان هذا الدعاء طلبًا للشفاعة أم لغيرها، كأن يسأل إنسان المدد، أو قضاء الحاجات، أو تفريج الكربات، أو إغاثة اللهفات، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت:٦٥]، يخبر الله تعالى عن المشركين أنهم إذا ركبوا في الفلك دعوا الله، وأخلصوا له العبادة، وأخلصوا له الدعاء، فإذا نجاهم إلى البر أشركوا بالله ﷿، ودعوا غيره، وقال سبحانه: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن:١٨]، وقال سبحانه: ﴿فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ [الشعراء:٢١٣]، وقال سبحانه: ﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس:١٠٦]، يعني: المشركين.
فقد حكم الله تعالى على من دعا غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه بالشرك قال: ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت:٦٥]، وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر:١٣ - ١٤] فسماه الله شركًا، ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر:١٤].
وقد حكم الله ﷾ على من دعا غيره بالكفر، فقال: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون:١١٧]، وقال ﷾: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ﴾ [الزمر:٣] يعني: قائلين: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر:٣]، فحكم عليهم بالكذب، وكفرهم بهذا العمل في قولهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر:٣].
وبين الله ﷾ أن غيره من المدعوين لا يملكون للداعي شيئًا، ولا يستطيعون إجابة دعائه، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر:١٣]، والقطمير هو: اللفافة الرقيقة البيضاء على نواة التمرة، وقال: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ [فاطر:١٤]، أي: لا يسمع؛ لأنه غائب، أو ميت قد بليت عظامه وصارت ترابًا.
﴿وَلَوْ سَمِعُوا﴾ [فاطر:١٤] على الفرض والتقدير ﴿مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر:١٤].
وهذا النوع من الشرك في الدعاء انتشر ووقع فيه كثير من المشركين قديمًا وحديثًا، فأنت تجد في بعض القبور من يسميه بعضهم بالولي، فتسمع ارتفاع الأصوات بالضجيج والدعاء: يا فلان، يا فلان، يا عبد القادر الجيلاني! أغثني، مدد مدد! يا دسوقي! مدد مدد! يا سيدي البدوي أغثني المدد المدد! يا حسين! يا نفيسة! يا ابن علوان! وهكذا تسمع في كثير من الأماكن والبلدان في غير هذه البلاد قبورًا تدعى من دون الله.
وبعض الحجاج حينما يأتون للحج، ومن ثم زيارة مسجد الرسول ﵊ تجدهم يقعون في الشرك، فيقول أحدهم: يا سيدي يا رسول الله أغثني! يا سيدي يا رسول الله! فرج كربتي! يا سيدي يا رسول الله! جئتك من بلاد بعيدة، لا تخيب رجائي! أنا في حسبك! أنا في جوارك! وبعضهم يقول: اغفر ذنبي! أدخلني الجنة! نجني من النار! وهذا شرك أكبر، وهو شرك أهل الجاهلية.
والشرك الذي بعث رسول الله ﷺ بالنهي عنه، وقتال فاعله وتكفيره واستحلال دمه وماله هو شرك الدعاء الذي انتشر وعم وطم في كثير من البلدان، وفي كثير من الأقطار في الأزمنة القديمة، وفي العصور الحاضرة، فمن فعل ذلك فإنه يكون مشركًا وثنيًا، إلا من تاب، ومن تاب تاب الله عليه، فمن دعا غير الله فقد أشرك، والمراد بالدعاء: الذي يكون فيما وراء الأسباب، أما إذا دعا حيًا حاضرًا قادرًا معه أسباب ظاهرة فلا يكون دعاؤه شركًا، كأن يدعو شخصًا يطلب منه حاجة دنيوية فيقول: يا فلان! أعني على إصلاح بيتي، أعني على إصلاح سيارتي، يا فلان! ساعدني على إصلاح مزرعتي، أقرضني مالًا، أو كان غريقًا يطلب إنقاذه من غرقه، فهذا لا بأس به، وهذا بخلاف الميت، فإنه لا يستطيع؛ لأنه ليس معه أسباب ظاهرة، وكذلك الغائب، والحي الحاضر الذي لا يقدر.
8 / 3