مرور النبي ﷺ برعاة غنم
ومضى رسول الله ﷺ في طريقه، ومن الأحداث أيضًا أنه مر براعي غنم، فقال: (يا غلام! لمن أنت؟ قال: لرجل من أسلم، فالتفت ﷺ لـ أبي بكر وقال: سلمت يا أبا بكر، ثم قال: ما اسمك؟ قال: مسعود، قال: سعدت يا أبا بكر).
فقال أبو بكر للغلام: أفي غنمك حلوب؟ قال: لا، قال: وهذه ما بالها؟ قال: هذه عنز كانت حاملًا وأسقطت حملها وليس فيها شيء، قال: فجاء بها ولمس ظهرها ومس ضرعها ودعا الله فحلب في قدح، وبعد أن حلب لمس الضرع فعاد كما كان، وجاء أبو بكر ﵁ بهذا الحليب ومعه خرقة لتصفية الحليب من الشعر وتنظيفه، وهذا من العناية والخدمة من أبي بكر لرسول الله.
قال: ثم أخذت الماء وصببته على ظهر القدح لأبرده، لأن القدح في الحر يصير حارًا فبرده وصب الحليب فيه، وكان رسول الله قد نام في ظل الشجرة، فانتظر حتى استيقظ رسول الله ﷺ وقال: اشرب يا رسول الله.
ومشى ثم مر أيضًا بغلام أسود ومعه غنم، ونفس القضية في حلب الشاة، فلما رأى الغلام هذا قال: (من أنت؟ والله ما فعل ذلك رجل قبلك، قال: أو تكتم عليَّ إن أنا قلت لك؟ قال: نعم، قال: أنا محمد رسول الله، قال: أريد أن أتبعك، والله ما يفعل ذلك إلا نبي)، وكأن الرسول ﷺ في طريق هجرته يضع رايات ومعالم لكل من جاء وراءه، وذلك بأفعاله، فيعلم بأن معالم الطريق كلها دالة على رسالته، وأنها هداية ومعجزات.
وقد قلنا: إن معالم الطريق في الهجرة كلها دروس وعبر للعامي وطالب العلم، فحينما قال الغلام: (أريد أن أتبعك) لو كان رجلًا آخر لقال: أهلًا وسهلًا ومرحبًا، لكن الرسول ﷺ قال له: (إنك لن تستطيع اليوم)، مع أنه كان أحوج ما يكون لرفيق ولمساعد، ولكن قال: (إنك لن تستطيع اليوم، ولكن انتظر في غنم قومك حتى تسمع بي قد ظهرت)، أي: إذا سمعت بأني قد وصلت وظهرت وأصبح لي أعوان وأنصار، وصار الدين والمسلمون أحرارًا ففي تلك الساعة لك أن تتبعني، أما الآن فلا تعرض نفسك لأخطار، وهذا أسمى ما يمكن من مراعاة الحكمة في الدعوة ومراعاة أحوال الأفراد، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه.
ومضى ﷺ فلقيهم الزبير وكان تاجرًا ومعه قماش، فكساهما ثيابًا بيضًا، وكذلك طلحة مروا عليه وأعطاهم وكساهم، ومضيا في طريق البر والخير حتى قدما إلى قباء يوم الإثنين قيل: أول ربيع الأول، وقيل: في نصفه، وقيل: في سبعة وعشرين منه.
7 / 9