169

دروس للشيخ محمد حسان

دروس للشيخ محمد حسان

Жанры

الرجاء ثمرته وحقيقته ومعناه الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وإن الله ﷿ فتح أبواب الرجاء لكل مذنب مقصر عاص ليرجع إليه؛ وليعترف بذنبه وجرمه، وهذا هو الفهم الصحيح لأحاديث الرجاء، فالرجاء مع العمل، والرجاء مع الخوف لا ينفصمان ولا ينقطعان أبدًا، فالمؤمن يخشى الله ويمتثل الأمر ويجتنب النهي، ويقف عند الحد، لكنه بشر فليس ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا، فربما يضعف فتزل قدمه في بؤرة المعصية، وحينئذ إن جذبت أشواك الذنوب ثيابه يقال له: اجذب ثيابك واغسلها بدموع التوبة، واعلم إن عدت إلى الله بأن الله يفتح لك أبواب الرجاء على مصراعيها. هذا هو الفهم الدقيق لأحاديث وآيات الرجاء. قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: إن قومًا ألهتهم أماني المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحن نحسن الظن بالله وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. فالمؤمن الذي يحسن الظن بالله يعمل، إن أمره الله ورسوله ائتمر، وإن نهاه الله ورسوله انتهى، وإن حد له الله ورسوله حدًا وقف عند حدود الله ورسوله، ثم بعد ذلك إن وقع في معصية وضعف وزلت قدمه يذكر بأحاديث الرجاء بعد آيات الرجاء، فيجد الباب مفتوحًا، وإلا فأين يذهب الفقير إلا إلى الغني؟ وأين يذهب العاصي إلا إلى الغفور؟ وأين يذهب الضعيف إلا إلى القوي؟ عبد الله! اعترف بذنبك وتقصيرك وجرمك، وعد إلى الله جل وعلا وأنت على يقين مطلق بأن الله ﵎ سيفرح بتوبتك وهو الغني عنك، ويفتح لك أبواب التوبة وأبواب الرجاء على مصراعيها، ولا تسوف فإن الموت يأتي بغتة. يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل فتأهبي يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويل فلتنزلن بمنزل ينسى الخليل به الخليل وليركبن عليك فيـ ـه من الثرى حمل ثقيل قرن الفناء بنا جميعًا فما يبقى العزيز ولا الذليل فلا تسوف وُعد إلى الله وتدبر هذا النداء الندي الرخي: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:٥٣]. وتدبر قول النبي ﷺ كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون، فيغفر الله لهم). وتدبر قول النبي ﷺ كما في الصحيحين: (ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا -نزولًا يليق بكماله وجلاله- ثم يقول ربنا: أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلايزال كذلك حتى يضيء الفجر). بل وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى، أن النبي ﷺ قال: (إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها). وفي صحيح مسلم وسنن الترمذي واللفظ له من حديث أنس، أن النبي ﷺ قال: (قال الله تعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة). وأختم بهذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، من حديث عمر بن الخطاب ﵁: (أن رسول الله ﷺ رأى امرأة في السبي تبحث عن ولدها، فلما وجدته ألزقته ببطنها فأرضعته، فقال النبي ﷺ لأصحابه: أترون هذه الأم طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! فقال ﵊: لله أرحم بعباده من رحمة هذه الأم بولدها)، لذا قال أحد أهل العلم: اللهم إنك تعلم أن أمي هي أرحم الناس بي، وأنا أعلم أنك أرحم بي من أمي، وأمي لا ترضى لي الهلاك والعذاب، أفترضاه لي أنت وأنت أرحم الراحمين!! فيا أيها اللاهي! ويا أيها الساهي! يا من ضيعت الصلاة! يا من أكلت الربا! يا من شربت الخمر! يا من عاقرت الزنا! هيا لا تقنط ولا تيئس، وعُدْ إلى الله مهما كان ذنبك، ومهما كانت كبيرتك، عد إلى الله جل وعلا، واعلم بأن الله سيفرح بتوبتك وهو الغني عنك، الذي لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية.

16 / 8