241

Дорогие друзья, давайте заглянем в книгу

دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار

Жанры

التحذير من التقاعس عن الطاعة بعد ابتدائها
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخواني الكرام! تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، ويسر لنا ولكم طريق الهدى، ونسأله الرفعة في الدرجات عنده جل وعلا.
إن لقبول الأعمال عند الله جل وعلا علامات، منها: الزهد في الدنيا والمسارعة في أعمال الآخرة بترك الدنيا خلفك ظهريًا والإقبال على الله جل وعلا، ولسان حالك يقول: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه:٨٤]، وطرح كل الشهوات والشبهات خلفك ظهريًا.
فالوصول إلى القمة أمر سهل، وقد يكون صعبًا نوعًا ما، لكن الاحتفاظ بالقمة أمر أصعب، والعبد إذا ارتقى وفُتح له باب من الخيرات، فهذا فتح من الله جل وعلا، والأمر الأصعب من ذلك هو الثبات على هذا الخير، ولهذا رغب الله ﷾ أهل الطاعات بالثبات على الصالحات والعبادات حتى الممات، وعاب على أقوام تركوا العبادات خلفهم ظهريًا بعدما فتح الله عليهم بها، قال الله تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ) [النحل:٩٢]، فعاب الله على من نسجت غزلها بقوة وبحسن وبشدة، ثم بعد هذا التعب والعناء جعلته هباءً منثورًا، وهذا وصف دقيق لمن يجتهد في العبادة ليلة أو ليلتين أو أسبوعًا أو شهرًا ثم بعد ذلك يتوانى ويتقاعس والعياذ بالله.
وعاب الله تعالى أيضًا على أقوام سبقونا باجتهادهم في العبادة ثم بعد ذلك ولوها ظهريًا، قال الله تعالى: ﴿وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد:١٦]، فبعدما اجتهدوا في الطاعات تركوها وتوانوا وتقاعسوا عن المسارعة في الخيرات فقست قلوبهم.
وقال جل وعلا منكرًا على النصارى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ) [الحديد:٢٧]، و(إلا): استثناء منقطع بمعنى: لكن ابتغاء، فهم ما فعلوا ذلك إلا مسارعة واجتهادًا في عبادة الله، قال: «إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ»، فتقاعسوا عن هذه الطاعات، قال تعالى: ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد:٢٧].
والنبي ﷺ أنكر على أناس كانوا يجتهدون في الطاعات ثم يتقاعسون عنها، فقد قال ﷺ -كما في الصحيح- لـ عبد الله بن عمرو بن العاص ناصحًا له: (لا تكن كفلان، كان يقوم من الليل ثم تركه)، ومعلوم باتفاق علماء المسلمين أن من حفظ القرآن ثم نساه بتفريط منه فإنه آثم عند ربه جل وعلا والعياذ بالله.
وكانت عائشة تصف عبادات النبي ﷺ كما في الصحيحين بقولها: (كان النبي ﷺ يحرص على الطاعة فإن فاته من حزبه شيء -أي: من قيام الليل أو قراءة القرآن- صلى في النهار ثنتي عشرة ركعة)، وذلك حتى يثبت على الخير فلا يفوته، وكان من دأبه ﷺ: أنه إذا ابتدأ طاعة لا يتركها، حتى إنه ﷺ شغله تقسيم الصدقة عن سنة الظهر، فأقبل عليه العصر فصلى الفرض ثم صلى بعده سنة الظهر قضاءً حتى لا يترك هذه العبادة التي ابتدأها، ولذلك قال بعض العلماء: بأنها سنة، والصحيح الراجح: أنها ليست بسنة، بل هي خصوصية للنبي ﷺ؛ لأنه كان من دأبه ﷺ: عدم ترك طاعة ابتدأها حتى يموت، وهذا هو دأب الصالحين، ولذلك حرص الصحابة ﵃ على هذا الأمر، فقد حثهم الله ﷾ عليه وحثنا كذلك معهم.

21 / 3