Уроки шейха Мухаммада аль-Мухтара аш-Шанкити
دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي
Жанры
نصائح غالية من الشيخ -حفظه الله- لطلبة العلم
إن الدعوة إلى الله من أجل وأشرف الأعمال التي يحبها الله ويرضاها للعبد، ولا يكون الإنسان داعية بكل ما تعنيه الكلمة إلا إذا كان طالب علم يثني ركبتيه في حلق الذكر، وبين أيدي العلماء، ويحتاج الداعية في طلبه للعلم إلى جد واجتهاد وصبر، حتى يصبح داعية موفقًا مقبولًا عند الناس.
1 / 1
العلم سلاح الداعية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد: فالدعوة إلى الله من أحب الأعمال إليه ﷾، ويشهد بذلك قوله ﷿: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:٣٣] (ومن دعا إلى هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيء) ومن حمل هم وأمانة الدعوة إلى الله، وتبليغ رسالة الله إلى عباده؛ فقد حمل أشرف الأشياء وأحبها إلى الله ﷾، بل إنه الشيء الذي خلق الله من أجله خلقه وهو عبادته، ولا عبادة إلا بالعلم، ولا عبادة إلا بالبصيرة: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ [يوسف:١٠٨].
فلا بد للداعية أن يستشعر -أولًا- ما هي الدعوة، وما هي الرسالة التي يحملها والأمانة التي في عنقه لأهلها، فإذا عرف عظم هذه المسئولية علم أنه يتكلم لله وفي الله، وابتغاء ما عند الله ﷾، وأنه يعقد الصفقة فيما بينه وبين الله أن يكون أجره على الله لا على أحد سواه ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ [سبأ:٤٧] وقال عن أنبيائه، نوح وهود وصالح وشعيب ولوط: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء:١٠٩] أجرك على من بيده خزائن السموات والأرض، ويده سحاء في الليل والنهار أجرك على من يكتب لك الكلمة والجملة والحرف، على من يكتب لك الخطوة والتعب والنصب والسهر، ويكتب لك كل صغيرة وكبيرة ﷾، يحصيها لك فيكتب لك أجرها وثوابها، فتوافيه يوم توافيه بمثاقيل الحسنات إن تقبلها منك، وأجرك على من لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وهو الله ﷻ.
على الداعية أن يستشعر أن هذا المقام أحب المقامات إلى الله ﷿، وهو مقام الأنبياء والرسل، فإن (العلماء ورثة الأنبياء)، ولابد على الداعية أن يجتهد في طلب العلم حتى يكون عالمًا، ولا تكون دعوة إلا بعلم، ومن يريد أن ينال فضل الدعوة على أتم وجوهه، وأن يكون في أكمل صوره فليتم العلم وليأخذ وينهل منه، ويحرص على مجالسه، ويكون من أهل تلك الرياض التي تنشر فيها رحمة الله ويبتغى فيها ما عند الله، وعليه أن يصبر ويصابر ويجد ويجتهد فيها، ويحتسب الأجر عند الله ﷾ في جميع ذلك حتى يبلغ من العلم أعلى المراتب، فإذا بلغ ذلك قام بالدعوة على أتم وجوهها وأكملها.
أول ما ينبغي علينا هو طلب العلم، وإذا طلبت العلم فاطلبه بقوة وعزيمة وهمة صادقة، لا يثنيك عنها شيء، لا تثنيك عنها الدنيا وزينتها وغرورها وما فيها من متاعها الزائل وغرورها الحائل، إنما تجد وتجتهد وأنت تعلم أنك أنت الرابح، فلا تقوم بضعف وتظن أن الدنيا ستفوتك، وأن أهل الدنيا يتاجرون ويربحون وأنت لا تربح، لا، بل تطلب العلم وتعلم أنك أربح صفقةً وأكثر ربحًا في تجارتك مع الله ﷾، طلب أقوامٌ العلم فكفاهم الله همَّ الدنيا والآخرة، واقرأ في سير العلماء، فمنهم من كان لا يجد طعمة يومه، وتراه مرقع الثياب، حافي الأقدام، ولكنه أغنى الناس في الله ﷻ، وأسعد الناس وأشرحهم صدرًا، وألينهم جنانًا، وأصدقهم لسانًا، وأوضحهم بيانًا، أغنى الناس بالعلم الذي وضع الله في قلبه وفي لسانه: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة:٢٤] لما صبروا في طلب العلم وتحصيله، لا يشتكي أحدهم من السهر ولا من التعب في طلب العلم، إنما يبحث عن هذا العلم بكل همة وبكل صدق وعزيمة.
فإذا جدَّ طالب العلم في طلبه فعليه أن يعلم أن منزلته عند الله على قدر ما يحصل من العلم، فإن الله يرفع بهذا العلم درجات، وقد تجلس في المجلس الواحد وتدرس فيه مسائل قل من يضبطها ويحصلها، فتكفي الأمة همها، وتسد ثغرها، فيكون أجرك عند الله عظيم، فترفع درجتك على نفاسة هذا العلم، وبقدر ما كان علمك نفيسًا عظيمًا محتاجًا إليه بقدر ما تكون درجتك عند الله أعلى وأسمى.
ويجب أن تعلم أن هذا العلم يحتاج منك إلى الأمانة، فإذا جلست في مجالس العلم ضبطت وتقيدت بما سمعت، فلا تزيد من عندك شيئًا، ولا تحدثن في دين الله برأيك ما لم يكن عندك حجة أو برهان.
احرص في مجالس العلم على أن تسمع وتحفظ ثم بعد ذلك تعمل بضوء ما علمت، وتبلغ ما سمعت، وهذا أكمل ما يكون في العلم، أن يكون قلبك واعيًا بكل ما يقال، وتتقيد بالكلمة لا تزيد ولا تنقص، وإن استطعت ألا تأتي بالمعنى وإنما تأتي باللفظ نفسه فهذا شيء حسن، فإذا بلغت ذلك كملت نضارة وجهك، قال ﷺ: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فحفظها وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع) إذا أردت أن تدعو إلى الله على أكمل المراتب وأفضلها فعليك أن تضبط العلم ضبطًا تامًا.
إذا تعودت على هذا الضبط وضع الله لك القبول، وثق ثقةً تامة أن الله مطلع على سريرتك وعلى ما في قلبك، واعلم أن نظر الله إليك في كل مجلس وفي كل درس، فحاول أن تفهم وتضبط كل كلمة وكل عبارة وكل جملة، فالعلم تسمو به الأرواح والأنفس.
1 / 2
الاجتهاد في طلب العلم والصبر على ذلك
أبو عبيد القاسم بن سلام؛ إمام من أئمة السلف، وديوان من دواوين العلم والعمل، كان آية في القراءات، وفي علم اللغة في لسان القرآن آية في الحديث ويروي بالأسانيد، وآية في الفقه، وهو صاحب كتاب الأموال -رحمة الله عليه- وغيره من الكتب النافعة، وصاحب كتاب الغريب، فهذا الإمام العظيم وقف بعد صلاة العشاء بعد أن استوقفه رجل قدم عليه من خراسان يسأله عدة مسائل في الفقه، يقول: إنه وقف معه في شدة البرد، فقام معه ﵀ يذاكره ويسأله وهو يراوح بين قدميه، فلم يشعر إلا وقد أذن الفجر.
لا تستغربوا من ذلك، لا تظنوا أنه ضربٌ من الخيال، والله إنك إذا ذقت لذة العلم تسمو عن كل شيء، فإذا ذهبت إلى تلك المعاني المستنبطة من كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، وإلى هذا الكنز العظيم أحسست بالغبن أن سلفك الصالح سهرت عيونهم وتعبت أجسادهم من أجل أن يخرجوا لك هذا العلم، وأنت عنه بعيد ولو لم يجد -الرجل منهم- إلا صخرة يكتب عليها لنقش العلم عليها حتى لا يفوت عمن بعده؛ لأن النصيحة لله ولأمة الإسلام، فرضي الله عنهم ورحمهم برحمته الواسعة، فإذا كانت هذه همة صادقة بذلها السلف لنا من أجل أن نحفظ علومهم، فالغبن كل الغبن أن ننظر إلى كتبهم وبيننا وبينها حواجز، ما نعلمها؛ لأن علمنا علم سطحي لا نتعمق فيه ولا نضبطه ولا نجتهد في طلبه.
طالب العلم اليوم يقف عند الحكم فقط، دون أن يبحث عن الدليل ووجه الدلالة، وهل هو صحيح أو غير صحيح، وإذا كان غير صحيح فلماذا ليس بصحيح؟ فتغوص في أعماق العلم، فإذا أصبحت بهذه المثابة بوأك الله من العلم أعلى المكانة، فإذا تعبت وأصبحت تبحث عن كل صغيرة وكبيرة، وتجد وتجتهد، فلا تشتك من سهر ليل ولا من ظمأ الهواجر أو من غربة أو من تعب ونصب، وإنما تشعر بأنك أنت الرابح.
لا إله إلا الله! كم من تاجر تجده الآن في الموسم، اذهب الآن إلى الأسواق في رمضان وفي ذي الحجة تجد التجار يسهرون ويتعبون ويحسون بالنشاط، والرجل تجده أمام أولاده يقول لهم: هذا موسمي هذا رزقي من الله ﷿ لا أفرط فيه، ويعتبر رجلًا لأنه وضع الشيء في موضعه، وهو يبحث عن الدنيا، فكيف بمن يخوض في رحمة الله ﷻ؟ مكانك عند الله على قدر العلم، فابحث عن العلم الموروث من الكتاب والسنة، وابحث عن العلم المستنبط من الكتاب والسنة، فكن رجلًا يطلب العلم، ويجد ويجتهد، ولا تقف عند الأمور السطحية، وحاول أن تغوص في أعماق العلم، فإذا تعبت في طلب العلم طالبًا أراحك الله مطلوبًا، وإذا تعبت في طلب العلم طالبًا وذللت فيه أعزك الله مطلوبًا.
قال ابن عباس ﵄: (ذللت طالبًا وعززت مطلوبًا) فكان ﵁ يقف في يوم عرفة يفسر القرآن، يقول بعض أصحابه: (لقد شهدت من ابن عباس مشهدًا في يوم عرفة لو رأته الروم لأسلمت) لقد وقف يفسر سورة النور آية آية، وكأنه يغرف من بحور، كان إذا تكلم في اللغة خاض فيها وفي لسانها وبيانها وأسرارها ونكتها وبلاغتها وفصاحتها، وإذا تكلم في علم القرآن رأيت العجب في استنباطاته وهو يستنبط، كيف وقد قال رسول الله ﷺ: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، ومع كل ذلك العلم ورع وعمل مصحوب مع علمه ﵁ وأرضاه، فهذا هو الذي يبحث عنه الإنسان.
1 / 3
من اجتهد في طلب العلم طالبًا أكرمه الله مطلوبًا
ما دمت قد عرفت شرف هذا العلم فعليك أن تضحي بكل ما تجد من أجل بلوغه، فإذا نظر الله إليك أثناء الطلب وأنت تتعب وتحصل، فاعلم أنه لا أكرم من الله ولا أوفى منه، فإذا تعبت اليوم فإن الله ﷾ سيريك ثمرة تعبك، ولن تموت حتى يقر عينك بما ترى، إن كنت تعبت في الطلب وكنت تحرص على أخذ العلم كاملًا سخّر الله لك طلاب علم يتعبون كما تعبت، ويحبون العلم كما أحببته، ويأخذونه من فمك -طيبًا مطيبًا- كما أخذته من علمائك طيبا مطيبًا، وكما أصبحت أنك قرت عين للعالم الذي أخذت عنه وهو يراك مجدًا محصلًا فلا بد أن يقر الله عينك لطلابك، وهذه سنة لله ﷿، وانظر في السلف؛ فإنك لا تجد طالبًا لزم عالمًا وأخذ عنه وضحَّى معه إلا ونبغ بعد وفاته، وأصبح مكانه يحاكيه ويماثله؛ ابن عباس عندما توفي جاء بعده سعيد بن جبير، وطاوس بن كيسان، ومجاهد بن جبر، فإذا نظرت إلى تلامذة ابن عباس كدت لا تفرق بينهم وبينه علمًا وعملًا، فلا بد وأن يقر الله عينك بقدر تعبك في طلب العلم.
الآن انظر إلى الذين يأخذون من الكتب ويقرءون فيها -ولو كانوا أذكى الناس- فإنهم إذا رقوا منبرًا أو تكلموا في أمة لن تجد لهم من القبول والمحبة والرضا ما تجده لمن تغبَّرت قدماه وذلَّ تحت أقدام العلماء لله ﷻ، فإنك تجد من المحبة والألفة والقبول لهذا ما لا تجده لذلك، مع أنه أذكى وأحفظ، لكن لن تجد له من القبول مثل ما تجد لهذا؛ لأن الله ﷾ عدل، ومن عمل خيرًا فإن الله ﷾ يوفيه خيرًا في الدنيا وفي الآخرة.
وفي زمن طلبي للعلم قلَّ أن نرى شابًا يطلب العلم، والله يشهد، ولا نقول هذا تفاخرًا بل كل الفضل والمنة لله، وقد كنت -والله- أدخل المسجد النبوي وأرى كثيرًا ممن يجلسون في مجالس العلماء هم من كبار السن، وكان الشيطان يأتيني ويقول لي: إذا مات هؤلاء فمن الذي يطلب عندك؟ ولو جلست تطلب العلم عشر سنوات فسيموتون أو يهرمون ولن يحضروا دروسك.
هكذا كان عدو الله يقول لي، فلم نكن نرى الشباب بالكثرة التي نراها اليوم، ولكنها كلمة الله ودين الله، وإذا تولى الله دينه فإنه نعم المولى ونعم النصير.
المقصود: أنه ينبغي على من أراد أن يدعو إلى الله ﷿ أن يتعب في طلب العلم، ويحرص على ألا يتصدر إلا بعد الضبط والجلوس بين أيدي العلماء حتى يكون له من القبول مثل ما كان لهم، بل إن الله يزيدك، وكان أحد السلف ﵀ يقول: اللهم اجعلني كفلان، فقيل له: لا، بل قل: خيرًا من فلان، فإن فضل الله عظيم وخزائنه ملأى، ويده سحاء في الليل والنهار، ومن أحسن ظنه بالله فإن الله لا يخيبه كما في حديث أحمد في مسنده قال ﷺ: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، فمن ظن بي خيرًا كان له).
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، اللهم اجعلنا ممن ظن بك الخير، ووفيته وزدته من فضلك يا كريم، اللهم اجعل علمنا حجةً لنا لا حجة علينا، اللهم بيض به وجوهنا، وثقل به موازيننا، وارحمنا به يوم عرضنا عليك يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وآله.
1 / 4
حقيقة الالتزام
إن من ينتسب إلى الالتزام ينبغي عليه أن يكون قلبه مطمئنًا بذكر ربه جل وعلا، وأن يكون راضيًا بقضاء الله وقدره، حريصًا على فضائل الأعمال والإكثار منها، وأن يعلم أن هذه الطريق شاقة، ومليئة بمخاطر السخرية والاستهزاء والابتلاءات؛ فلا يثبت عليها إلا الرسل وورثتهم من العلماء الربانيين وطلبة العلم المحتسبين.
2 / 1
وصايا للملتزمين
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المؤمنين والمؤمنات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالآيات البينات بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
2 / 2
تذكر الموت في كل لحظة
الوصية الأخيرة التي يوصى بها كل من التزم بدين الله ﷿: أن يحس بقرب الأجل؛ فإن طول الأمل في الدنيا يقسي القلوب، وإذا قست القلوب عميت البصائر -نسأل الله ألا يعمي لنا بصيرة- فإذا عميت بصيرة العبد ضل وأضل وشقي وأشقى، نسأل الله السلامة والعافية.
فإذا قصر أملك في الدنيا خفت من الآخرة، وإذا خفت من الآخرة عملت لها فقوي التزامك، وكملت هدايتك، وأصبحت قوي القلب في طاعة الله ﷿، وصورة ذلك: (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).
واحسس كأن الموت أدنى إليك من شراك نعلك، فكم من إنسان ضحك لأخيه وتبسم في وجهه ثم فارقه في طرفة عين! فالآجال مكتوبة، إذا جاء الأجل لا يستأخر ساعة ولا يستقدم.
إذا أراد العبد أن يبارك الله له في هدايته جعل الموت نصب عينه، فإن ذلك يزيد من الطاعة ومن الالتزام والهداية، وكما أنه يزيد من الخوف من الله وخشيته ﷾، ولقد نغص الموت كل طيب إلا ما طاب لله ﷻ: علمي بأني أموت نغص لي طيب الحياة فما تحلو الحياة لي فالإنسان إذا تذكر أنه سيموت ويرحل أحس أن أشجانه كلها للآخرة، وأن هذه الدنيا ما هي إلا كبلغة يتبلغ بها لدار ليس من بعدها دار، ولقرار هو القرار، إما في جنة وإما في نار، وسيعلم الإنسان منقلبه بينهما، فلا منزل ثابت يصير إليه غيرهما.
نسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتنا بالقول الثابت، وأن يعصمنا من الزلل في القول والعمل، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، فقد ثبت في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال كما في الصحيح: (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن) فقولوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله.
2 / 3
مدار الالتزام على القيام بحقوق الله والرضا بقضائه
وليعلم الملتزم أنه مهما التزم بطاعة الله فلا بد أن يمتحن، والله يقول في كتابه: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران:١٨٦] فلا بد من الابتلاء، وعلى هذا يكون مدار الالتزام على هاتين القاعدتين العظيمتين: إحداهما القيام بحقوق الله على أتم الوجوه وأكملها، ويدخل في ذلك الحرص على النوافل والخيرات، والثاني: الرضا عن الله ﷾ في كل صغير وكبير وجليل وحقير، فمن التزم فإنه لا ينتكس عن التزامه إلا بأحد الأمرين: إما بإضاعته لحقوق الله، وإما بسبب سخطه على قضاء الله وقدره فضاقت نفسه؛ فضيق الله عليه في الدنيا والآخرة.
فعلى الإنسان الذي ذاق حلاوة الهداية وأحب أن يبارك الله له فيها وأن يختم الله له فيها بخير أن يحرص على هذين الأمرين: أحدهما القيام بحقوق الله، فإن الله يرضى من عبده أن يقوم بحقه: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴾ [ق:٣١ - ٣٤] ادخلوها بسلام يوم سلمتم جوارحكم وأركانكم لله ﷻ، أسلمت واستسلمت، وكل من أسلم واستسلم في بلاء فإن الله يعده على ذلك بالخير في الدنيا والآخرة.
يقول الله عن نبيه إبراهيم وهو في أشد مواقف الابتلاء وأعظمها وأكربها، وقد أضجع ولده ووضع السكين عليه لكي يقيم حق الله الذي أمره به: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات:١٠٣ - ١٠٥] قال العلماء: لما أسلم، أي: استسلم لأمر الله جاء الفرج.
فكل من استسلم لقضاء الله وقدره ونزلت به الهموم والغموم فأسلمها لله معتمدًا على الله متوكلًا عليه؛ فإن الله لا يخيبه، ومن ذلك: إذا التزم بدين الله وطاعته ومحبته.
2 / 4
الالتزام وحب القرآن والسنة
وإذا أحب الله عبدًا وأراد أن يبارك له في التزامه حبب إلى قلبه كتابه وسنة نبيه ﷺ، فإذا أراد الإنسان أن يرى مقدار حب الله له فلينظر إلى منزلة القرآن من قلبه، فإن وجد أنه يتأثر بالقرآن صدق التأثر، ويشتاق إلى القرآن كمال الشوق، وأن هذا الكتاب يبكيه وعيده وتهديده ويشوقه وعده، فليعلم أن له عند الله مكانة.
إذا أصبح من أهل القرآن المتأثرين بآياته ومواعظه، المحبين لسماعه، والمتلهفين على تلاوته وتدبره، فليعلم أن تلك رحمة من الله ﷾، يصطفي لها من شاء من خلقه وعباده، جعلنا الله وإياكم ذلك الرجل.
إن العبد لا يزال يقرأ القرآن ويحبه حتى يشفعه الله فيه: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء:٨٨ - ٨٩]، ولا يزال العبد يحب كتاب الله حتى يقر الله عينه بكلامه، وما من إنسان أحب القرآن صدق محبة ورغب فيه بصدق الرغبة إلا تبوأ منزلة عند الله وعند خلقه، ولذلك ترى أهل القرآن أشرح صدرًا وأيسر أمرًا وأكثر ذكرًا، وهم عند الله بمكان، ولقد أخبرنا النبي ﷺ: (أن القرآن يأتي يوم القيامة شهيدًا أو شفيعًا لأصحابه) فنعمت الشهادة من كلام الله ﷻ، ونعمة الشفاعة من كلام الله ﷾، فهو الشفيع الذي لا ترد شفاعته.
والشهيد الذي لا تكذب شهادته! وإذا أراد الله بالملتزم خيرًا حبب إلى قلبه سنة النبي ﷺ، فإذا أردت أن ترى عبدًا بارك الله له في هدايته فانظر إلى ذلك العبد الذي يبحث عن سنة النبي ﷺ، إذا أراد أن يتكلم أخذ يبحث كيف كان النبي ﷺ يتكلم؟ وماذا كان يقول؟ (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) (المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه) فيكون مسلمًا حقًا قد سلم المسلمون من هناته وزلاته وخطيئاته وعوراته، فإذا تكلم تكلم كما كان النبي ﷺ يتكلم؛ عفيفًا عن أعراض المسلمين، دالًا على الخير، مذكرًا بالله ﷾، فلا تسمع منه إلا الذكر أو الشكر أو كلمة في منافعه الدنيوية، أما ما عدا ذلك فإنه أعف الناس عن قول الحرام، وأبعدهم عن فضول الكلام، فمن يتأسى بهديه صلوات الله وسلامه عليه في الأفعال حتى أنه لا يرفع قدمًا ويضع أخرى إلا وهو يتأسى بالنبي ﷺ في رفعها ووضعها، قال بعض السلف: (إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بسنة فافعل) بمعنى أنك لو أردت أن تقوم على شأنك الخاص فلتتذكر أن هديه ﵊ أنه يبدأ باليمين قبل الشمال؛ فتبدأ باليمين قبل الشمال تأسيًا به ﵊.
فإذا وجدت الشاب المهتدي يسأل عن السنة، ويحرص على تطبيقها، ويغشى مجالس العلماء للعلم بها والعمل؛ فاعلم أن الله بارك له في التزامه وهدايته، وإذا وجدته غافلًا عن سنة النبي ﷺ وعن هديه، فإن المحروم من حرم.
2 / 5
حرص الشباب الملتزم على فضائل الأعمال
مما يبارك الله به في التزام العبد: حرصه على فضائل الأعمال، فإن الله أوجب الواجبات، وحرم المحرمات، ودعا إلى الحسنات والطاعات، فالسابق إلى الخيرات الذي ذكره الله في كتابه، وأثنى عليه وجعله من أحبابه وصفوة خلقه هو الذي يحرص على النوافل كحرصه على الفرائض، فالذي يريد أن يبارك الله له في التزامه فليكمل إيمانه بالحسنات الفاضلة ولا يستهين بشيء من ذلك، فإذا أصبحت وأمسيت وأنت تحرص على كل حسنة -ولو كانت من الفضائل- لن تمسي وتصبح إلا وإيمانك على أحسن المراتب وأكملها، والعبد الذي تراه يحرص على السنة والنافلة التي ليست بعزيمة فإنه على الواجبات والفرائض ألزم وأحسن وآكد، والله تعالى جعل الحسنة تدعو إلى أختها، فمن حرص على الفضائل ونوافل العبادات، فأصبح طليق الوجه بالبشر والسرور للمسلمين يشتري رحمة الله ﷿ في سروره ويسره ورفقه بالعباد، يشتري رحمة الله بإفشاء السلام وإطعام الطعام وقيام الليل والناس نيام.
إلى غير ذلك من خصائل الكرام، يقوى إيمانه، ويثبت قلبه، ويكمل يقينه، ويجد في قرارة قلبه حلاوة الإيمان التي لا لذة مثلها بفضائل الأعمال، ليس لنا عند الله حسب وليس بيننا وبينه نسب، ولا ينظر الله إلى ألواننا ولا إلى جمالنا، ولكن ينظر إلى ما كان منا من الأقوال والأعمال.
فلترِ الله منك في التزامك وهدايتك حقيقة الالتزام بالكثرة من ذكر الله وطاعته ﷿؛ ولذلك تجد العلماء وطلاب العلم الفضلاء أقرب الناس إلى الخير بسبب ما ألفوه من كثرة فضائل الأعمال، وقلّ أن تجد شابًا يحافظ على فضائل الأعمال ثم ينتكس، وقلّ أن تجد شابًا يحافظ على فضائل الأعمال فيقع في الانحراف؛ لأن الذي حفظ النوافل من باب أولى أن يحفظ الحدود والمحارم، والذي حفظ النوافل من باب أولى أن يحفظ الواجبات والفرائض، ولا تزال نفسك تحب هذه النوافل والفرائض حتى تعرف بها وتصبح ديدنًا لك بحيث لو فقدتها كأنك فقدت الطعام والشراب.
كان من السلف الصالح من إذا نام عن قيام الليل يبكي كأنه فجع بولده؛ لأنه يحس أنه ما فقد القيام في هذه الليلة إلا لأن منزلته نزلت عند الله ﷿.
عندما التزم السلف الصالح بهذا الدين التزموا التزام الموقن الذي يتحسس في كل صغيرة وكبيرة، بل حتى البلاء الذي ينزل إليه يتلذذ به، فقد أثر عن بعض العلماء قصة عجيبة: أثر عن هذا العالم أنه كان ذات يوم مهمومًا مغمومًا، وكان أحد طلابه ينظر إليه وهو في همه وغمه، فلما كان المساء جاءه رجل من عبيده وكلمه بشيء ففرح وزوال عنه الهم والغم، فقال التلميذ يستعجب مما جرى للشيخ: إني رأيتك يومي هذا وأنت مهموم مغموم، حتى أتاك فلان فأخبرك بخبر فسري عنك، فأخبرني يرحمك الله، قال: إني أصبحت ولم أر مصيبة في نفسي ولا في أهلي أو مالي أو ولدي، فقلت: قد نزلت مكانتي عند الله ﷿، فلما أمسيت جاءني الرجل فأخبرني أن عبدي فلانًا مات، فعلمت أن منزلتي عند الله ما زالت.
كانوا يعلمون أن الله إذا ابتلاهم أنه يحبهم؛ لأن النبي ﷺ قال: (إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم) فقوم بهذه المثابة يتلذذون بالمصائب وبالبلايا لعلمهم أن الله قدرها وكتبها، فيرضون بقضائه وقدره، لقد أصابوا منزلة عند الله بمكان، قوم بلغوا هذه المنزلة حتى تعود عليهم المصائب والمصاعب سلوانًا وفرحة فوالله لقد كمل إيمانهم وعظم يقينهم، ولذلك عندما قال النبي ﷺ للمرأة السوداء: (إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوت الله لكِ؟ قالت: أصبر ولي الجنة) ما دام أن النهاية الجنة أصبر وأحتسب وأرجو عند الله الثواب.
2 / 6
الالتزام والابتلاء
العبد الملتزم والشاب الصادق في التزامه وهدايته يجد ويجتهد، ثم إن ربك إذا أحب عبده ابتلاه، فإذا التزم بدين الله صب الله عليه البلاء فضاقت عليه الدنيا ووسع الله ضيقه وعظمت عليه الهموم والغموم، حتى يفر من غير الله إلى الله، ويصبح في ليله ونهاره ينادي رباه رباه.
إذا أحب الله الملتزم المهتدي المستقيم على طاعته صب عليه البلاء والهموم والغموم؛ لأن النفس البشرية إن غفلت وأعطيت النعمة أرخت لنفسها العنان في معصية الله ﷻ، واتبعت الشيطان فكان صاحبها من الغاوين، ولكن الله يحب هذا العبد فيصب عليه الوساوس والهموم والغموم حتى ينطرح عند باب الله يناديه ويناجيه ويحس أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، تمر عليه اللحظات تلو اللحظات وقد ضاقت عليه نفسه، وعظمت عليه كربته، واشتدت عليه بليته ولكنها بالله هينة، وبمناجاته لله ﷾ سعة ورحمة، وإذا بها اليوم تؤذيه ولكنها في الغد ترفعه وتكرمه بين يدي الله ﷻ، اليوم تصب عليك الهموم والغموم والحسرات والفتن والمحن حتى من أعداء الله ﷿ عندما يستهزءون ويسخرون ويكيدون، ولكن الله ﷾ يبدد هذه الأشجان والأحزان عنك، فيثقل بها ميزانك، ويعظم بها أجرك، ويكثر بها ديوانك، فتبكي اليوم من الهموم ولكن تضحك بين يدي علام الغيوب عندما ترى صحائف الأعمال حسناتها كأمثال الجبال.
إذا رأى أهل البلاء ما عند الله من الأجر والمثوبة تمنوا أن حياتهم كلها بلاء، فإذا رأى الملتزم والمستقيم على طاعة الله ﷻ أن سخرية الساخرين واستهزاء المستهزئين يثقل الميزان ويعظم الأجر عند الرحمن تمنى أن حياته كلها من هذا الضرب والمثيل، فاصبر وصابر واحتسب، وإذا أحب الله عبدًا ملتزمًا بدينه حببه للخير وحبب الخير إلى قلبه، فأصبح لا يرتاح ولا يأنس ولا يحس بسعادة إلا إذا كان قريبًا من الله ﷻ، تضيق عليه نفسه إلا في مجلس ذكر أو شكر، إذا خرج من المسجد أحس أنه ضيق النفس، فإذا دخل إلى المسجد إذا به يدخل منشرح الصدر مطمئن النفس، يدخل كأنه ورد على رحمة كورود الإبل التي اشتد ظمؤها على الماء البارد في اليوم الصائف أو أشد، كان ﷺ يقول: (أرحنا بها يا بلال).
فإذا كمل التزام العبد كمل إقباله على الله ﷻ، فصلاته صلة، ودعاؤه صدق، وإقباله على الله ﷿ إقبال المجد المشمر عن ساعد الجد في رحمته ومرضاته جل شأنه وتقدست أسماؤه، ومعنى ذلك: أن كل من التزم بطاعة الله عليه أن يجعل نصب عينيه أنه مأجور على كل هم وغم وبلاء متى احتسب ذلك عند الله ﷾.
2 / 7
الالتزام قرب إلى الله سبحانه
إنها لمناسبة طيبة أن نجتمع في هذا المجلس المبارك على ذكر الله ﷿ وطاعته، خير ما اجتمعت عليه القلوب والتفت عليه الأرواح، فإن القلوب تصدأ وجلاء صداها بذكر الله ﷿، والقلوب في قلق وحيرة لا طمأنينة لها إلا بذكر الله ﷻ، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد:٢٨] إذا لم يكن في ذكر الله ﷻ إلا أن الله يذكر من ذكره لكفى بذلك شرفًا وفضلًا للذاكرين.
إن الله خلق العباد: ﴿فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد:٢٦] منهم مهتدٍ ملتزم بطاعة الله ﷻ أحب الله وأحبه الله، لا يبتغي عن سبيله تحويلًا ولا عن هدي رسوله ﷺ بديلًا يدرك أن هذا الوحي أصدق قيلًا وأحسن تأويلًا التزم بدين الله ﷻ يوم رأى السعادة والنور والرحمة في كلام الله وكلام رسوله ﷺ، حينما وجد شيئًا طالما فقده، ووجد أمنية طالما تمناها، حينما أحس أنه أحوج من يكون إلى القرب إلى الله ﷻ، فنفحه الله برحمته فدخلت الهداية من قلبه، فإذا أراد الله أن يبارك له في هذه الهداية رزقه ذكره ﷾؛ فأصبح قلبه متعلقًا بالله ﷻ ينسى مع الله كل شيء، ويقبل على الله ﷻ إقبال الصادقين، ويحب الله محبة المؤمنين الموقنين يعبد الله كأنه يسمعه ويراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وهي مرتبة المحسنين التي نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها أجمعين، قال جبريل ﵇: (يا محمد! ما الإحسان؟ فقال ﷺ: الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فإذا كملت هداية الإنسان بلغ مراتب الإحسان.
أصبحت أشجانه -أي: الملتزم- وأحزانه كلها لله ﷻ، ولا يرتاح قلبه ولا تطمئن نفسه إلا بالكلمة التي تقربه إلى الله أو الخصلة -من خصال الخير- التي تدني به إلى جنة الله ﷻ، يشتري رحمة الله حتى بالابتسامة يبتسمها في وجه أخيه، يشتري رحمة الله حتى بالكلمة الطيبة يريد بها ما عند الله ﷾، لا نفاقًا ولا رياءً ولا تصنعًا ولا تكلفًا؛ لكي يجذب بها قلوب الناس، ولكنه يريد ما عند الله ﷻ من واسع رحمته وما يدريك فلعل هذه الحسنة التي تحرص عليها ينقذك الله بها من النار، فإن العبد قد تستوي حسناته وسيئاته فيستوي خيره وشره؛ فقد تكون عنده حسنات كأمثال الجبال تذهب بمظالم الناس فتستوي حسناته وسيئاته حتى يكاد يؤمر به إلى النار فتأتي حسنة واحدة ترجح بها ميزان الحسنات فينجو من نار الله ﷻ.
2 / 8
الأسئلة
2 / 9
تحضير الخطب والمواعظ
السؤال
هل يشترط في إلقاء المحاضرات أو المواعظ التحضير؟
الجواب
هذا يختلف باختلاف الأشخاص، وينبغي لطالب العلم أن يكون علمه في صدره، وبعض العلم الذي يُلقى بدون تحضير قد يكون فيه من الفتح ما لم يكن في المحضر، فإن كان عنده أهلية وقدرة ووفقه الله ﷿ للأخذ بأسباب النجاح في الإلقاء فليتوكل على الله، أما إذا كان ضعيف الشخصية ولا يستطيع أن يتكلم إلا بتحضير فلا يتكلم بل يسكت؛ لأنه لا يأمن من التلعثم أمام الناس، فمن تعود على أن يعظ الناس من ورقة فلا يحرج نفسه ويحرج المقام الذي يقومه، فقد كان بعض العلماء والمشايخ إذا لم يحضر درسه لم يلقه؛ لأن الدرس يقوم على التحضير وقد تعوَّد هو على التحضير، وبعضهم يلقي بدون تحضير، فالبعض يكون مستحضرًا متمكنًا من علمه، والله تعالى يقول: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [النساء:١٦٢] وهذا يدل على أن أهل العلم منهم من يكون فيه رسوخ في العلم، والرسوخ في العلم أي: ثبات القدم فيه، ولا يكون ذلك إلا بتوفيق الله ﷿ ثم سعة العلم حتى يكون به على بصيرة، أشار الله إلى هذا المعنى بقوله: ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ [الأنعام:٥٧].
2 / 10
ترك البكاء أثناء وعظ الناس خشية الرياء
السؤال
ماذا تقولون فيمن يترك البكاء أمام الناس حين يعظهم خشية الإصابة بالرياء والعجب؟
الجواب
هذا عمر بن عبد العزيز خطب فأبكى الناس ثم قعد، خاف على نفسه الرياء، هذا يختلف بعض الناس يقوى خوفه من الله جل وعلا، حتى إنه يخاف أن يبكي أمام الناس، بل بعضهم لا يعظ الناس حتى يعرض موعظته على نفسه، فمنهم من يبكي بينه وبين نفسه أكثر من بكائه أمام الناس، فيجعل الله أثر محاضرته وموعظته وكلامه وخطبته بعد سماع الناس لها أكثر مما لو بكى فيها؛ لأنه لو بكى ربما دخله الرياء والعجب.
ولذلك الله الله في المعاملة مع الله: ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا﴾ [الأنفال:٧٠] يعني: إن يعلم الإخلاص، والإنسان إذا تكلم والجنة والنار بين عينيه لا شك أنه يقول ويبلغ ويجعل الله لكلامه القبول، وهذا الشيء بيد الله ﷻ، فهو المطلع على الخفيات وعلى النيات وهو الأعلم بالسرائر وبما تكن الضمائر.
فالإنسان إذا خاف الرياء، نعم، لكن هناك أناس رزقهم الله قوة الإيمان، حتى لو بكى أمام الناس لا يبالي بهم، بل قد يبلغ من نعم الله على العبد أنه يدخل في المسجد وهو مليء بالناس كأنه جالس مع أخيه، لا يبالي بكثرة الناس أمامه ولا يلتفت لذلك، وهذا من كمال إخلاصه لله ﷻ.
2 / 11
اشتراط السجود على السبعة الأعضاء في سجود التلاوة
السؤال
هل يشترط في سجود التلاوة السجود على الأعضاء السبعة؟
الجواب
نعم؛ لأن النبي ﷺ قال كما في الصحيح من حديث ابن عباس: (أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء) وسجود التلاوة سجود.
2 / 12
استحباب سجود التلاوة على طهارة
السؤال
هل تشترط الطهارة لسجود التلاوة أو سجود الشكر؟
الجواب
فضلًا لا فرضًا، يعني: الأفضل أن يكون متطهرًا.
2 / 13
شروط المسح على العمامة
السؤال
ما شروط وكيفية المسح على العمامة؟
الجواب
أولًا: أن تكون العمامة من عمائم المسلمين لا من عمائم أهل الذمة وهي -أي: عمامة أهل الذمة- العمامة المقطوعة التي لا ذؤابة لها، وعمامة المسلمين تكون لها ذؤابة، مثل هذه العمامة تعتبر من عمائم أهل السنة، وإلى ذلك أشار حسان بن ثابت يصف الصحابة: إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سننًا للناس تتبعُ يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا فوصفهم بقوله: إن الذوائب، فدل على أن العمائم كانت لها ذؤابة، وجاء في الحديث: (أن النبي ﷺ عمم عبد الرحمن بن عوف وأرسل عذبة بين كتفيه، وقال: هكذا فاعتم يا ابن عوف) وكانت عمامته لها عذبة.
والشرط الثاني: أن تكون على غالب الرأس، أن تغطي ما جرت العادة بتغطيته، فلو أنه كشفها عن رأسه إلى النصف إلى ما فوق الربع فلا يصح المسح، فلقد حددها بعض العلماء، أما لو كشف عن الناصية، بقدر ثلاثة أصابع، فهذا لا حرج فيه؛ لأنه في حديث المغيرة في الصحيح أن النبي ﷺ: (توضأ ومسح بناصيته وعلى العمامة).
الشرط الثالث: أن تكون طاهرة.
أما القلنسوة إذا لف طرفيها وعقدها من مؤخرتها فتعتبر عمامة، ويجوز المسح عليها.
2 / 14
حكم خلع العمامة بعد المسح عليها
السؤال
إذا خلع شخص العمامة بعد المسح عليها، هل ينقض ذلك الوضوء أم لا؟
الجواب
في المسألة تفصيل فإن كان خلعه قبل أن تجف الأعضاء التي قبل الرأس الممسوح وهي غسل الوجه واليدين، فإن كان الوقت الذي خلع فيه قد يبست فيه يداه يستأنف الوضوء، أما لو مسح ثم غسل رجليه ثم قال: لا أريد العمامة، ولا زالت أعضاؤه لم تجف، فيمسح على رأسه ويغسل رجليه ويجزيه.
2 / 15
حكم المسح على الشماغات والغتر
السؤال
هل يقاس بالمسح على العمامة المسح على الشماغ والغترة؟
الجواب
لا، لا يقاس؛ لأنها لا تعتبر عمامة.
2 / 16