86

Уроки шейха Аби Исхака аль-Хувайни

دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني

Жанры

خديجة نعم المرأة الصالحة
تريد أن تعرف المرأة الودود؟ انظر إلى حال خديجة ﵂، سيدة النساء، ورد في الصحيحين من حديث عائشة ذكر بدء الوحي: (إن النبي ﷺ كان يتحنث في غار حراء؛ ولما جاءه الملك وقال له: اقرأ.
قال: ما أنا بقارئ.
وهزه هزًا عنيفًا، فرجع رسول الله ﷺ إلى داره يرجف فؤاده، وقال: زملوني زملوني، وقال لـ خديجة: لقد خشيتُ على نفسي، قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا -وفي روايةٍ وقعت في بعض روايات صحيح البخاري، قالت-: كلا.
والله لا يحزنك الله أبدًا.
إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلْ، وتقْري الضيف، وتساعد الضعيف، وتعين على نوائب الحق) فانظر إلى كمال عقلها وصدقها وحسن مواساتها لزوجها! أما كمال عقلها: فلأن الإنسان إذا أصابه الروع والفزع احتاج أن يذكره أحد بمآثره وصفاته، ومن أمثلة ذلك ما رواه الإمام مسلم ﵀ في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن كماشة النهري ﵀ قال: دخلنا على عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فلما رآنا حول وجهه إلى الجدار وبكى طويلًا، فأقبل عليه ابنه عبد الله بن عمرو ﵁، وقال: يا أبتِ! ألم يبشرك رسول الله ﷺ بكذا وكذا؟ فواساهُ وذكره بالبشارات وهو بين يدي الموت، وهذا أدعى لأن يطمئن قلبه، فلما سمع ذلك أقبل عليهم، فقال: لقد رأيتني على أطباق ثلاث -أي: على ثلاث مراحلٍ في حياتي- رأيتني وما أحدٍ أشد بغضًا إلي من النبي ﷺ، ولا أحب إلي من أن أكون استمكنت منه فقتلته، فلئن متُ على هذا الحال لكنت من أهل النار، ثم أسلمتُ فجئت النبي ﷺ فقلت: (يا رسول الله! ابسط يدك لأبايعك، فبسط يده، فقبضت يدي، قال: مالك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قال: أشترط أن يغفر لي، قال: يا عمرو! أو ما علمت أن الإسلام يهدم ما قبلهُ، وأن الحج يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، قال: فما كان أحدٌ أحبّ إلي من النبي ﷺ، وما كنت أملأُ عيني منه إجلالًا له، ولئن سُئلت أن أصفه لكم ما استطعت ذلك؛ لأنني ما كنت أملأ عيني منه إجلالًا له، فلئن متُ على هذا الحال لرجوتُ أن أكون من أهل الجنة؛ ثم حدثت أشياء لا أدري ما الله صانعٌ بي).
لما حضرت سفيان الثوري ﵀ الوفاة انتفض وبكى، فقال له عبد الرحمن بن مهدي -تلميذه الوفي- ألست تقدم على الذي كنت تعبده؟ اسكن، فسكن، ففزع من الموت، فذكره أنه قادمٌ على الذي سجد له وركع، والذي كان يقوم له الليالي، والذي كان يتحمل الهجير في الصيام من أجله، فذكره وما كان سفيان يغفل وقد قضى حياته كلها لله ﷿، لكنه الفزع الذي ينسي الإنسان حلمه ويزيل عنه عقله.
فإذا وقع المرء في مثل هذا الفزع احتاج إلى حسن المواساة، وقد رجع النبي ﷺ يرجف فؤاده مما رأى وهو يقول: (لقد خشيت على نفسي، فقالت -وصدرت ذلك بالقسم من قبل أن يبعث النبي ﷺ قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا) واستدلت بكريم شمائله، وجميل نعوته على أنه لا يخزيه، فقالت: (إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل -أي: العالة يحمله حملًا- وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) فكيف يخزى من هذه صفاته؟!!

9 / 4