12
عن الأولى، وسكنت إلى الثانية، فما زالت تأمرني بالسوء حتى أصبحت صحيفتي مجموعة للنقائص، ومستناما للعيوب، وأصبح يراعي وقد استمد من لعاب الأفاعي لعابه، واستعار من كتاب المسامير سبابه، فما زلت أطعن على زيد لاجتعل
13
من عمر، وأغض من خالد لأشد من بكر، حتى زل الرأي، وعثر القلم، فأصبحت غريم الحكومة، وخوصمت إلى المحاكم فأمسيت مخصوما،
14
وبت وقد اصطلحت علي الخطوب، وطولبت بالتكفير عن الذنوب؛ بأن أدفع عشرة ذهبا، وأتخذ لي غير الصحافة سببا. ومن أين لي - أسعدك الله - أن أقوم بدفع هذا القدر من المال؟ ولقد كنت كلما هممت بطبع الصحيفة أجمع من كل جيب من جيوب المشتركين قرشا، كما يجمع العامل في المطبعة من كل بيت
15
حرفا.
لذا تراني ضيق الصدر؛ لضيق ذات اليد. ولقد أعطيت الله عهدا إن أنا خرجت من هذا المحذور كفافا، لأحطمن هذا اليراع العاثر، ولأنبذن تلك الحرفة التي اضطرتني إلى التحام الأعراض، والميل مع الأغراض، ثم رفع يديه ضارعا إلى الحق وقال: اللهم إن كنت تعلم أنني دخلت في هذه الحرفة كارها، وسرت في تلك الطريق مغلوبا على أمري، فنفس كربتي، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.»
فقلت له وقد أدركتني رحمة عليه: أراك قد خاصمت نفسك إلى نفسك، فحمدت مغبة الخصومة، ورضيت حكومتك عليك، فلا تجزع بعد ذلك؛ فإنه لا شيء أمحى للخطيئة من التوبة يظهر أثرها في نفس الخاطئ، وإني أرى في نفسك وأتبين في وجهك أثر ماضيك، ولا أعلم فيما أرى شيئا هو أبلغ في النفوس من يقظة الوجدان وحياة الشعور، فإن كنت قد صدقتني فيما قلت، وكان لسانك شاهدا عدلا على قلبك، فأنت حقيق ألا تعود إلى ما أوضعت فيه من الجهالة، وخليق ألا يفت في ساعدك ما وصل إليه أمرك من الفشل، فلا يكبرن عليك أمر الغرامة؛ فما هو ببالغ من نفسك ما بلغته أنت منها، وهلم بنا إلى سطيح يحدثك بمأتي حالك، ثم حدثته حديثه، فلبث ينتظر معي الآية، فلما لاحت أخذنا طريقنا إلى سطيح، وإذا به يقول: «ظالم مظلوم، ولائم ملوم، تزيا بغير زيه، وأقام في غير حيه، فأصابه ما أصاب الشرقي وقد نزع إلى تقاليد الغربي، فأصبح معنيا بهذا البيت. وأحسبه من شعر الكميت:
Неизвестная страница