لقد أعطيتك حياتي وعقلي وراحتي، فماذا أعطيتني أيتها الإلهة القاسية؟
أعطيتني آلاما لا أطيقها، وحيرة لا أخرج من حبالتها، وشكوكا لا يقين وراءها، وليلا مظلما لا فجر بعده!
إنك تمنينني بالخلود! وما هو الخلود أيتها الربة الخادعة؟
أليس هو بقاء ذكر فان في أرض فانية؟! أليس هو سطر يكتب في الهواء لتذروه الرياح؟! أليس هو خيال كلما تبعته تركني، وكلما اقتربت منه ابتعد عني؟!
إن الأهرام مهما رسخت جدرانها وتوطدت قواعدها والتحمت صخورها لا بد زائلة. وقد نظرت يوما إلى الغمام الذي يسبح فوقها في بحر من الأثير، وسألت نفسي: أي الاثنين أخلد؟ أتلك الصخور الراسخة الباذخة أم تلك الأمواه التافهة المتجمعة في كتلة تحولها وتذيبها أشعة الشمس اللطيفة؟
نظرت إلى حبات الرمل الحقيرة التي تعد في موضع القدم بالملايين ، وسألت نفسي: أي الاثنين أخلد؟ أتلك الأهرام العظيمة ذات الأحجار الجسيمة أم تلك الحبات الحقيرة؟
نظرت إلى ذرات الأثير في الهواء، وهي لا ترى بالعين ولا تلمس بالكف؛ لأنها ألطف من اللطف، وسألتها: أأنت أخلد أم ما شاده مائة ألف من بني الإنسان في ثلاثين عاما من الزمن؟
فأجابني الغمام وحبات الرمل وذرات الأثير: «ألا إننا جميعا أخلد من أهرامك الزائلة؛ لأننا كنا قبلها وبعدها سنكون، أما هي قبل رفع دعائمها فلم تكن وبعد انقضاضها لن تكون!»
أليس هذا هو الخلود الذي توعدون؟ إن حبة من الرمل وقطرة من المطر وذرة من الأثير أبقى على مدى الدهر من حياة الإنسان وأعظم أعماله!
بل ماذا فخرنا وخلودنا؟ وما هي تلك الإنسانية المعذبة الضالة المضلة؟ ألا يذكر اسم كاتيلينا كلما ذكر اسم شيشرون؟ ألا يخلد اسم الإسخريوطي خلود اسم المسيح؟
Неизвестная страница