وهذا التعليل واضح، فالنور لا ينقص النور، والقوة لا تنقص القوة، ولكن الظلمة ضرة الضياء، والضعفاء أعداء الأقوياء، ولكن تلك النفوس الصغيرة الضئيلة لو تأملت قليلا ترجع عن غيها لساعتها، فمهما اختفى الحق لا بد من ظهور نوره.
أيتها النفوس الصغيرة، ولا أحقرك ولا ألومك على صغرك، فقد أرادت لك الطبيعة أن تكوني كما أنت، وهيأت لك شروطا وأحوالا وبيئات وأشخاصا وأعمالا، وبعثت إليك بعوامل ظاهرة وأخرى خفية، فبرزت للعالم كما أنت، فلماذا يحزنك الأمر وهو قضاء الطبيعة وقدرها؟ لو كنت تحملين أكثر مما أنت حاملة لوكلت إليك الطبيعة أحمالا جهد طاقتك، ولكن لكل وعاء ما يسع، وليس فيك لما في غيرك متسع.
عجبا! كيف يجوز للشعلة الضئيلة أن تحسد الشمس المشرقة على نورها؟ وكيف يجوز للأرض الدنيئة أن تطاول السماء الرفيعة؟ بل كيف يحق للأصداف أن تحقد على الجواهر وتنكر عليها بهاءها؟!
إذا انفردت الشمس بإضاءة الأرض على سموها وزهاء نورها خسر الناس ربع أعمارهم وهي الليالي التي يستضيئون فيها بالقمر والكواكب والأنوار المبتدعة، وإذا اكتفينا بالجواهر احتاج غيرنا إلى الأصداف، ولا يمكن للفرد مهما كان عظيما وقويا أن ينوب عن الكل.
فيا أيتها النفوس الصغيرة، إننا في حاجة إليك، إنا نطلبك كما نطلب النفوس الكبيرة، ولكن الطبيعة العادلة تأبى أن تستوي أنت وغيرك من النفوس الكبيرة؛ لأن لكل نفس عنصرا خاصا بها، وعنصرك أقل من عنصرها، وقدرك أضعف من قدرها.
أيتها النفوس الصغيرة، اقنعي بعيشك وعملك، وخل عنك أمر غيرك. إن الفلك لا يدور بالأقمار والكواكب السيارة، إنما فيه من النجوم ما لا يبلغ قدر ذرة، ولكن تضيء تلك الذرة بقعة من الأرض لا ينفذ إليها نور الشمس ولا ضوء القمر، كذلك قد تقوم نفس صغيرة بما لا تستطيعه نفس كبيرة.
إذا قام عظيم بإصلاح أمة وهدي شعب فقد يقوم غيره ممن لم يقسم لهم نصيب كنصيبه بسد حاجة عيلة يعولها، ولو أرادت الشعرى اليمانية أو المريخ أو الزهرة أن تنال منال الشمس وسارت على دربها غيرها من الكواكب اختل نظام الفلك واعتلت هيئة الأجرام وزال ما نراه من القبة الزرقاء من الإبداع والإحكام، كذلك إذا أرادت نفس صغيرة أن تنال منالا غير منالها ونسج غيرها على منوالها فسد نظام الحياة وصار الأمر فوضى لا قوام له ولا قائمة.
يقول صغار العقول وضعاف الأحلام: هذا العظيم الكبير يستصغرنا ويحتقر شأننا ويشمخ بأنفه علينا ويدعي بأنه ليس منا، ولو كان متواضعا حملناه على الأكف والأعناق.
نقول: كذبتم وأنتم على أنفسكم شاهدون، لو كان متواضعا وطئتموه بأقدامكم وأخذتم تواضعه حجة عليه لا له، وكم من متواضع بيننا يؤخذ برجله ويجر، وهو جدير بأن يؤخذ بيده ويبر! أما كبرياؤه وشموخه فدعوهما، ودعوه فهو ليس منكم، دعوه إن في نفسه نورا ليس في نفوسكم، دعوه إن في فؤاده نارا لا تشعل أفئدتكم، دعوه إن في روحه من الكهرباء ما لا تطيقه نفوسكم، ألا يكفيكم أنه يعيش بينكم في ذلك العالم المملوء بالمعائب والأقذار؟! ألا يكفيكم أنه يرشدكم ويهديكم؟ كيف تكلفون النفس القوية أن تلتئم مع الجسد الضعيف؟! بل كيف تريدون من الطبيعة أكثر من أن تجمع بين النار والماء في وعاء.
يا أمم الشرق ، تناديك نفس موجعة، ويستغيث بك روح حائر، فاسمعي وعي، إن هلاكك في تدابرك وتباغضك وتنافرك. يا أمم الشرق، كفاك ما أنت فيه من الوهن وما يتوعدك من ضروب الدمار والهلاك، إنك كالحية سمها كامن في بدنها ولا يؤذيها ما دامت لا تنفثه فيه. أيتها الأمم، مجدي عظماءك دون السوى، وناصري الأقوياء ينصروك.
Неизвестная страница