خفق قلبه .. أدرك أنه ذاهب لارتكاب أخطر جريمة في تاريخ الحي .. لعله ضايقه أن يكون بطيشة مرجان مطلعا على ملابسات الزيارة، ولكنه اطمأن إلى وعد قمقام .. قال للرجل: انتظرني حتى أرتدي ملابسي.
فقام الرجل قائلا: بل أسبقك تلافيا من لفت الأنظار.
إذن فالرجل يحرص على سرية المقابلة ميسرا بذلك مهمته .. وراح يتدهن بالمسك وأم السعد تراقبه، منطوية على قلق لم يفارقها منذ ليلة الحلم .. هيمن عليها شعور بأنها تعاشر رجلا آخر، وأن صنعان القديم تلاشى في الظلام .. وفي غفلة منها دس في جيبه خنجرا ذا مقبض من الفضة الخالصة تلقاه هدية من الهند.
11
استقبله علي السلولي في جوسقه الصيفي بحديقة الإمارة .. طالعه في جلباب فضفاض أبيض، ورأس عار، فخفف عنه رهبة السلطة .. وقامت بين يديه مائدة حفلت بالقوارير والكئوس والنقل، فبسط له المؤانسة والقرب .. أجلسه على وسادة إلى جانبه مستبقيا مرجان بطيشة، وقال: أهلا بك يا معلم صنعان، تاجر أصيل وإنسان كريم.
فتمتم صنعان مداريا ارتباكه بابتسامة: الشكر لك يا نائب السلطان.
ملأ مرجان ثلاث كئوس، ساءل صنعان نفسه: هل يبقى مرجان إلى آخر الجلسة؟ .. لعلها فرصة لا تتكرر فما العمل؟ وقال السلولي: ليلة صيف لطيفة، أتحب الصيف؟ - أحب الفصول جميعا. - إنك ممن رضي الله عنهم، ومن تمام رضاه أن نبدأ حياة جديدة مثمرة.
فقال صنعان مدفوعا بحب الاستطلاع: أسأل الله أن يتم نعمته علينا.
شربوا فتلقوا من الراح نشوة وانتعاشا .. وجعل السلولي يقول: طهرنا لكم الحي من الأوباش.
فقال بحزن دفين: نعم الحزم والعزم.
Неизвестная страница