استبقى السندباد صدى تعليق السلطان دقيقة، ثم واصل حديثه قائلا: تعلمت أيضا يا مولاي أن الإبقاء على التقاليد البالية سخف ومهلكة؛ فقد غرقت السفينة وهي في طريقها إلى الصين، فلذت ومعي نفر من المسافرين إلى جزيرة غنية معتدلة الجو يسودها السلام ويحكمها ملك طيب، وقال لنا: سأعتبركم ضمن رعاياي. لكم ما لهم، وعليكم ما عليهم.
فسررنا بذلك ودعونا له .. ومبالغة في إكرامنا وهبنا من جواريه زوجات جميلات .. فطابت لنا الحياة وتيسرت المعيشة .. وحدث أن توفيت إحدى الزوجات فجهزها الملك للدفن، وقال لصاحبنا الأرمل: يؤسفني فراقك، فإن تقاليدنا تقضي بدفن الزوج حيا مع زوجته الميتة، وهو يجري على الزوجة إذا سبقها الزوج إلى النهاية.
فارتعب صاحبنا، وقال للملك: ولكن ديننا لا يكلفنا بذلك.
ولكن الملك قال له: لا شأن لنا بدينكم، وتقاليدنا مقدسة.
ودفن الرجل حيا مع جثمان زوجته، فتكدر صفونا، وتجهم لنا المستقبل .. وجعلت أراقب زوجتي مشفقا، وكلما اشتكت توعكا خفيفا زلزل كياني كله .. وعندما جاءها المخاض ساءت حالتها فما كان منى إلا أن هربت إلى الغابة حتى عبرت سفينة ذات يوم قريبا من الشاطئ فألقيت بنفسي في الماء، وسبحت نحوها وأنا أستغيث، حتى انتشلتني وأنا على وشك الغرق.
فغمغم السلطان وكأنما يخاطب نفسه: التقاليد هي الماضي، ومن الماضي ما يجب أن يصبح في خبر كان!
خيل إليه أن لحديث السلطان بقية فآوى إلى الصمت، غير أن شهريار قال: استمر يا سندباد.
قال السندباد: تعلمت أيضا يا مولاي أن الحرية حياة الروح، وأن الجنة نفسها لا تغني عن الإنسان شيئا إذا خسر حريته؛ فقد لقيت سفينتنا عاصفة أودت بها، فلم ينج من رجالها أحد سواي .. قذف بي الموج إلى جزيرة فيحاء، معتدلة الجو، غنية بالثمار والجداول، فشبعت، وارتويت، واغتسلت، ومضيت في جنباتها مستطلعا، فصادفني عجوز ملقى تحت شجرة، لا حول له ولا قوة، فتوسل إلي قائلا: إني عاجز كما ترى، فهلا حملتني إلى كوخي؟
وأشار بذقنه ناحية فما ترددت عن حمله .. ورفعته فوق منكبي، وسرت به إلى حيث أشار .. لم أعثر لكوخه على أثر فسألته: أين مأواك يا عم؟
فقال بصوت قوي غير الذي خاطبني به أول مرة: الجزيرة مأواي، وهي جزيرتي، ولكني في حاجة إلى من يحملني!
Неизвестная страница