Лавамик Анвар
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Издатель
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Издание
الثانية
Год публикации
1402 AH
Место издания
دمشق
لَهُ - سُبْحَانَهُ - فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ الْبَاهِرَةِ، وَالْأَسْرَارِ الْعَظِيمَةِ، أَكْثَرَ مِمَّا يَشْهَدُونَهُ فِي مَخْلُوقَاتِهِ وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْأَسْرَارِ، وَالْحِكَمِ، وَيَعْلَمُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِمَا أَطْلَعَهُمْ - سُبْحَانَهُ - عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ إِلَى مَا طَوَى عِلْمَهُ عَنْهُمْ وَاسْتَأْثَرَ بِهِ دُونَهُمْ، وَأَنَّ حِكْمَتَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ; لِأَنَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - أَهْلٌ أَنْ يُعْبَدَ، وَإِلَى هَذَا الْمَقَامِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
[وجوب عبادة الله تعالى]
«وَوَاجِبٌ عَلَى الْعِبَادِ طُرًّا ... أَنْ يَعْبُدُوهُ طَاعَةً وَبِرًّا»
«وَيَفْعَلُوا الْفِعْلَ الَّذِي بِهِ أَمَرْ ... حَتْمًا وَيَتْرُكُوا الَّذِي عَنْهُ زَجَرْ»
«وَوَاجِبٌ عَلَى الْعِبَادِ طُرًّا»
أَيْ جَمِيعًا، وَفِي حَدِيثِ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ: وَمُرَادًا لِمَحْشَرِ الْخَلْقِ طُرًّا. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ جَمِيعًا، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَوِ الْحَالِ «أَنْ يَعْبُدُوهُ» ﷾ «طَاعَةً» أَيْ لِأَجْلِ الطَّاعَةِ وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ لِمَا نَدَبَ الْخَلْقَ مِنَ التَّكْلِيفِ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَبِرًّا» أَيْ لِأَجْلِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ النَّاشِئِ عَنْهُمَا الْمَحَبَّةُ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْبِرُّ بِالْكَسْرِ الْإِحْسَانُ وَالتَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى -. فَهُوَ - سُبْحَانَهُ - أَهْلٌ أَنْ يُعْبَدَ، وَأَهْلٌ أَنْ يَكُونَ الْحُبُّ كُلُّهُ لَهُ، وَالْعِبَادَةُ لَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَخْلُقْ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا وَضَعَ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا ; لَكَانَ - جَلَّ شَأْنُهُ - أَهْلًا أَنْ يُعْبَدَ أَقْصَى مَا تَنَالُهُ قُدْرَةُ خَلْقِهِ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ الْإِلَهِيَّةِ: " «لَوْ لَمْ أَخْلُقْ جَنَّةً وَلَا نَارًا أَلَمْ أَكُنْ أَهْلًا أَنْ أُعْبَدَ» " وَفِي الْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ مَا يَقْتَضِي شُكْرَهُ وَإِفْرَادَهُ بِالْعِبَادَةِ كَمَا فِيهَا مَا يَقْتَضِي تَنَاوُلَ الْمَنَافِعِ وَاجْتِنَابِ الْمَضَارِّ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - فَطَرَ خَلْقَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَابْتِغَاءِ الْوَسِيلَةِ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَحَبَّ إِلَى الْعِبَادِ مِنْهُ، وَإِنْ فَسَدَتْ فِطَرُ أَكْثَرِ الْخَلْقِ بِمَا طَرَأَ عَلَيْهَا بِمَا اقْتَطَعَهَا وَاجْتَالَهَا عَمَّا خَلَقَ فِيهَا، قَالَ - تَعَالَى -: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠] فَبَيَّنَ - سُبْحَانَهُ - أَنَّ إِقَامَةَ الْوَجْهِ وَهُوَ إِخْلَاصُ الْقَصْدِ وَبَذْلُ الْوُسْعِ لِدِينِهِ الْمُتَضَمِّنُ مَحَبَّتَهُ وَعِبَادَتَهُ حَنِيفًا مُقْبِلًا عَلَيْهِ مُعْرِضًا عَمَّا سِوَاهُ - هُوَ فِطْرَتُهُ الَّتِي فَطَرَ عَلَيْهَا عِبَادَهُ، فَلَوْ خُلُّوا وَدَوَاعِيَ فِطَرِهِمْ لَمَا مَالُوا عَنْ ذَلِكَ وَلَا اخْتَارُوا سِوَاهُ، وَلَكِنْ غُيِّرَتِ الْفِطَرُ وَأُفْسِدَتْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ
1 / 353