307

Лавамик Анвар

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Издатель

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Издание

الثانية

Год публикации

1402 AH

Место издания

دمشق

Жанры
Hanbali
Империя
Османы
فَهُوَ شَرٌّ مِمَّنْ أَثْبَتَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَلَمْ يُثْبِتِ الْقَدَرَ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، بَلْ بَيْنَ جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَإِنَّ مَنِ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ وَشَهِدَ الرُّبُوبِيَّةَ الْعَامَّةَ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ، وَالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَأَهِلِ الطَّاعَةِ وَأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ؛ لَمْ يُؤْمِنْ بِأَحَدٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَلَا شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ، وَكَانَ عِنْدَهُ آدَمُ وَإِبْلِيسُ سَوَاءً، وَنُوحٌ وَقَوْمُهُ سَوَاءً، وَمُوسَى وَفِرْعَوْنُ سَوَاءً، وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَكُفَّارُ مَكَّةَ سَوَاءً، وَهَذَا الضَّلَالُ قَدْ كَثُرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا قَرَنُوا بِهِ تَوْحِيدَ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ وَالْمَشِيئَةِ مِنْ غَيْرِ إِثْبَاتِ الْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ وَالرِّضَا وَالسُّخْطِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: التَّوْحِيدُ هُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَمَّا الْإِلَهِيَّةُ فَهِيَ عِنْدَهُمُ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ، وَعِنْدَهُمْ مُجَرَّدُ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ كَافٍ، لَا يَدَّعُونَ التَّحْقِيقَ وَالْفَنَاءَ فِي التَّوْحِيدِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا نِهَايَةُ الْمَعْرِفَةِ وَإِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْمَقَامِ لَا يَسْتَحْسِنُ حَسَنَةً، وَلَا يَسْتَقْبِحُ سَيِّئَةً لِشُهُودِهِ الرُّبُوبِيَّةَ الْعَامَّةَ وَالْقَيُّومِيَّةَ الشَّامِلَةَ، وَهَذَا الْمَوْضُوعُ وَقَعَ فِيهِ مِنَ الشُّيُوخِ الْكِبَارِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَغَايَةُ تَوْحِيدِ هَؤُلَاءِ تَوْحِيدُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهِمْ: ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٤ - ٨٥] الْآيَاتِ وَنَحْوَهَا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَكَانُوا مُقِرِّينَ بِالْقَدَرِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ عَنْهُمْ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، وَمَعَ هَذَا فَلَمَّا لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، بَلْ عَبَدُوا غَيْرَهُ كَانُوا مُشْرِكِينَ شَرًّا مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، فَمَنْ كَانَ غَايَةُ تَوْحِيدِهِ وَمُنْتَهَى تَحْقِيقِهِ هَذَا التَّوْحِيدَ كَانَ تَوْحِيدُهُ مِنْ تَوْحِيدِ الْمُشْرِكِينَ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ - وَهَذَا الْمَقَامُ مَقَامٌ وَأَيُّ مَقَامٍ زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامٌ وَضَلَّتْ فِيهِ أَفْهَامٌ وَبُدِّلَ فِيهِ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَالْتَبَسَ فِيهِ أَهْلُ التَّوْحِيدِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ عَلَى مَنْ يَدَّعِي نِهَايَةَ التَّوْحِيدِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْكَلَامِ. وَمَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَالشِّيعَةَ وَالْقَدَرِيَّةَ الْمُثْبِتِينَ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ - خَيْرٌ مِمَّنْ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالنَّبِيِّ الصَّادِقِ وَالْمُتَنَبِّي الْكَاذِبِ، وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ، بَلْ هُمْ

1 / 307