Латаиф Маариф
لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف
Редактор
ياسين محمد السواس
Издатель
دار ابن كثير
Издание
الخامسة
Год публикации
1420 AH
Место издания
بيروت
Жанры
Суфизм
طعامهم وشرابهم كان بمنزلة مَن ترَكَ شهوة (^١) لله، وآثر بها، أو واسَى منها (^٢). ولهذا يُشْرَع له تفطيرُ الصُّوَّام معَهُ إذا أفطَرَ؛ لأنَّ الطَّعام يكون محبوبًا له حينئذ، فيواسى منه، حتى يكونَ ممن أطعَمَ الطَّعام على حبِّه، ويكون في ذلك شكر لله على نعمةِ إباحة الطَّعامِ والشَّرَاب له، وَرَدِّه عليه بَعْدَ منعه إيَّاهُ؛ فإنَّ هذه النِّعمةَ إنما عُرفَ قدرُها عند المَنْعِ منها. وسئل بعضُ السَّلف: لم شُرِعَ الصِّيام؟ قال: ليذوقَ الغنيُّ طعمَ الجُوع فلا ينسى الجائعَ. وهذا من بعض حِكَم الصوم وفوائده. وقد ذكرنا فيما تقدَّم حديثَ سلمان [المرفوع] (^٣)، وفيه: "وهو شهرُ المواسَاةِ" فمن لم يقدر فيه على درجة الإِيثار على نفسِه فلا يعجِز عن درجة أهل المواساة. كان كثير من السَّلفِ يواسون من إفطارهم أو يؤثرون به وَيَطوون (^٤)، وكان ابنُ عُمَرَ يصومُ، ولا يُفطِرُ إلَّا مع المساكين، فإذا منعهم (^٥) أهله عنه، لم يتعشَّ تلك الليلة. وكان إذا جاءه سائلٌ وهو على طعامِه، أخَذَ نصيبَه من الطعام وقام، فأعطاهُ السائلَ، فيرجع وقد أكل أهلُه ما بقي في الجَفْنَة، فيصبح صائمًا ولم يأكُلْ شيئًا.
واشتهى بعضُ الصالحين من السَّلف طعامًا، وكان صائمًا، فوُضِعَ بين يديه عند فُطُوره (^٦)، فسَمعَ سائلًا يقولُ: من يُقرِض الملِيَّ الوفِيَّ الغنِي (^٧)؟ فقال: عبدُهُ المُعْدَمُ من الحسنات. فقام فأخذ الصَّحْفَةَ فخرج بها إليه، وبات طاويًا. وجاء سائل إلى الإمام أحمدَ، فدفع إليه رغيفين كان يُعِدُّهما لفطرِه، ثم طوَى وأصبَحَ صائمًا. وكان الحسَنُ (^٨) يُطعِمُ إخوانَه وهو صائمٌ تطوُّعًا، ويجلس يُروِّحُهُم وهم يأكلون. وكان ابنُ المبارك يُطعمُ إخوانه في السَّفَر الألوان من الحَلواء وغيرها وهو صائم. سلامُ الله على تلك الأرواح. رحمةُ اللهِ على تلك الأشباح؛ لم يَبْقَ منهم إلَّا أخبارٌ وآثار. كم بين من يمنَعُ الحقَّ الواجبَ عليه وبينَ أهلِ الإِيثار.
لا تعرضَنَّ لذكرنا في ذكرِهم … ليسَ الصَّحيحُ إذا مشَى كالمُقْعَدِ
(^١) في آ: "شهوته".
(^٢) في ش، ع: "فيها".
(^٣) تكملة مستدركة في هامش (آ).
(^٤) الطَّوَى: الجوع.
(^٥) في ب، ط: "منعة أهله عنهم".
(^٦) في ع: "فطره".
(^٧) لفظ "الغني" لم يرد في آ، ش.
(^٨) إذا أطلق لفظ "الحسن" فهو الحسن بن يسار البصري، الإِمام الزاهد.
1 / 314