Вехи истории древнего Ближнего Востока
معالم تاريخ الشرق الأدني القديم
Издатель
دار النهضة العربية-بيروت
Место издания
لبنان
Жанры
المقدمة
مقدمة الطبعة الثانية
...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية:
نفدت الطبعة الأولى منذ سنوات، ظهر فيها عدد لا بأس به من المؤلفات العربية والأجنبية التي تعالج بعض أو جل موضوعات هذا الكتاب؛ غير أنها جميعًا لم تغير شيئًا من الحقائق الواردة فيه، وما زلت أعتقد أنه -في منهجه ومحتواه- يمثل الإطار العام الذي ينبغي أن يلم به كل من يريد التعرف على التاريخ القديم لإقليم الشرق الأدنى بصفة عامة، وفي سهولة ويسر دون التعرض لتفصيلات لا جدوى منها لغير المتخصصين تخصصًا دقيقًا.
وما أن شرعت في إعادة طبعه؛ حتى أخذت في إعادة النظر فيه؛ لأن من المألوف ألا يرضى الإنسان عما ينتجه إذا ما أتيحت له فرصة التأمل فيه؛ لذا وجدت أن أجري فيه بعض التعديلات كي يصبح -من وجهة نظري على الأقل- أكثر ملاءمةً للغرض الذي وضع من أجله.
وقد يؤخذ على هذا الكتاب أنه خصص جزءًا لا بأس به عن العصور قبل التاريخية مع أن موضوعها -في نظر الكثيرين- حضاري في جملته ولكن
1 / 7
دراسة هذه العصور ما زالت هي الوسيلة الوحيدة للتعرف على تاريخ الإنسان قبل معرفته للكتابة؛ ولذا كان لا بد من التعرض لها.
كذلك قد يرى البعض أنه لم يأخذ بالاتجاه الجديد في نطق أسماء الملوك والحكام، وخاصة فراعنة مصر وملوك فارس؛ إلا أن هذا الاتجاه لم يستقر بعد وما زال الكثيرون يفضلون التمسك بالنطق المألوف لديهم؛ ولذا فقد التزمته حتى لا يلتبس الأمر على بعض القراء.
وأرجو أن يكون في هذا الكتاب ما يفي بالغرض، والله ولي التوفيق.
د/ محمد أبو المحاسن عصفور.
1 / 8
مقدمة الطبعة الأولى:
لست أزعم أن هذا الكتاب يخرج في صورة مرضية حتى لنفسي؛ ولكنني أعتقد أنه كان ضرورة أوجبتها ظروف عملي؛ فرغم وجود عدد لا بأس به من المطبوعات العربية التي تتناول بعض موضوعه أو معظمه بالدراسة "سواء كانت تأليفًا أو ترجمة"؛ إلا أنني أرى أننا ما زلنا في حاجة إلى الكثير من المطبوعات العربية التي تعرض لدراسة تاريخ الشرق الأدنى القديم دراسة عامة؛ ليتسنى لقارئ العربية أن يجد بين يديه ما يوضح له تاريخ هذا الجزء الذي نعيش فيه من العالم.
ومع أن إتقان اللغات الأجنبية أمر توجبه نهضتنا الحديثة وفي مؤلفاتها ما يمكن أن يجد فيه القارئ بغيته للتعرف على هذا التاريخ؛ إلا أن ما يتوخاه عالمنا الحديث من السرعة في إنجاز كل الأمور يستدعي أن يكون بين يدي طلابنا -بل وقرائنا العاديين- مؤلفات بلغتهم يسهل عليهم الرجوع إليها للبحث في مختلف العلوم أو خطوطها العريضة على الأقل دون التعرض لما دار وما يدور حولها من مناقشات وجدل، وقد أردت لكتابي هذا ألا يخرج عن هذا الحيز العام، وإنني لعلى يقين من أنه يفي بهذا الغرض؛ ولكنه لا يغني دارس التاريخ عن قراءة غيره من الكتب الأخرى.
ودراسة التاريخ في مفهومها الحديث لا تعني سرد الأحداث التاريخية ذات الصبغة السياسية فحسب؛ بل يجب أن يتناول دارس التاريخ بالبحث كل ما يمر
1 / 9
على مسرح الحياة من مظاهر حضارية مختلفة، وأن يجعل من المكان الذي يدرس تاريخه مسرحًا يتعرض لكل ما فيه وما يدور به من أحداث بالدراسة والبحث خلال فترة أو فترات معينة؛ غير أنني أرى -من تجاربي الخاصة- أن تشعب هذه الدراسة يؤدي إلى تعقيدها أمام الطالب المبتدئ ويشتت أفكاره، وقد يعجز أو يزهد في دراسة التاريخ في كثير من الأحيان، كما أن الجمع بين هذه النواحي المختلفة في مؤلف واحد يكاد يكون أمرًا مستحيلًا؛ ولذا ما زلت أعتقد -وقد أكون مخطئا- أن دراسة التاريخ السياسي دراسة مستقلة عما عداها، تتيح للطلاب فرصة فهم المعالم الرئيسة للتاريخ الذي يدرسونة، وتهيئهم للجمع في دراستهم بين نواحيه المختلفة.
وأرجو أن يكون واضحًا أن هذا الكتاب يعد تنقيحًا للكتاب الذي سبق أن قدمته لطلاب جامعة البصرة "موجز تاريخ الشرق الأدنى البصرة ١٩٦٦" وقد أضفت إليه بعض الإضافات التي تراءت لي ضرورتها حاليًا، والله ولي التوفيق.
د. محمد أبو المحاسن عصفور
1 / 10
محتويات الكتاب
الموضوع الصفحة
مقدمة ٧
قائمة بالأشكال والجداول والخرائط ١٦
أهم الاختصارات ١٩
الفصل الأول
منهج التأريخ ٢١
الفصل الثاني
نشأة الحضارة وتطورها ٣١
الدور الحجري القديم الأسفل ٣٤
الدور الحجري القديم الأوسط ٣٨
بدء الاختلاف الحضاري ٣٩
التطور الحضاري والشرق الأدنى ٤٢
الفصل الثالث
مصر
أولًا- العصور قبل التاريخية ٥٢
أ- الدور الحجري القديم ٥٢
ب- الدور الحجري المتوسط ٥٨
جـ- الدور الحجري الحديث ٥٩
د- عصر ما قبل الأسرات ٧١
1 / 11
الموضوع الصفحة
ثانيًا- العصر التاريخي ٨٤
١- الدولة القديمة ٩٦
٢- عصر الاضمحلال الأول ١٢٣
٣- الدولة الوسطى ١٣٣
٤- عصر الاضمحلال الثاني ١٤٨
٥- الدولة الحديثة ١٥٧
٦- عصر الاضمحلال الثالث ٢٠٢
٧- عصر النهضة المؤقتة ٢٢٥
٨- عصر الفوضى الأخير ٢٣٠
الفصل الرابع
شبة جزيرة العرب ٢٣٨
العصر قبل التاريخي ٢٤٠
العصر التاريخي ٢٤٩
أولًا: القسم الجنوبي ٢٤٩
ثانيًا: القسم الشرقي ٢٦٠
الفصل الخامس
الإقليم السوري ٢٦٤
أولًا- العصور قبل التاريخية ٢٦٥
أ- العصر الحجري القديم ٢٦٥
ب- العصر الحجري المتوسط ٢٦٧
ج- العصر الحجري الحديث ٢٦٨
د- دور بداية استخدام المعادن ٢٦٨
1 / 12
الموضوع الصفحة
ثانيًا- العصور التاريخية ٢٧٠
أ- الدول التي أثرت في تاريخ سورية ٢٧٠
ب- الشعوب التي أثرت في تاريخ سورية ٢٧٤
أولًا- العناصر السامية ٢٧٤
أ- الأموريون ٢٧٦
ب- الكنعانيون أو الفينيقيون ٢٧٨
ج- الآراميون ٢٨٢
د- الشعب العبراني ٢٨٣
ثانيًا- العناصر غير السامية ٢٩٢
الحوريون والميتانيون ٢٩٢
الفصل السادس
آسيا الصغرى ٢٩٤
العصور قبل التاريخية ٢٩٧
الدور الحجري القديم ٢٩٧
الدور الحجري الحديث ٢٩٨
دور بداية استخدام المعادن ٢٩٩
العصر التاريخي ٣٠٤
الدولة القديمة ٣٠٧
عصر الإمبراطورية ٣١٠
الممالك الحيثية الجديدة ٣١٨
سكان غرب وجنوب هضبة الأناضول "الآخيون والطرواديون" ٣٢٢
الحيثيون في فلسطين ٣٢٧
1 / 13
الموضوع الصفحة
الفصل السابع
العراق ٣٢٩
العصور قبل التاريخية ٣٣١
١- العصر الحجري القديم ٣٣١
٢- العصر الحجري الحديث ٣٣٢
عصر بداية استخدام المعادن ٣٣٥
العصر التاريخي ٣٤١
١- السومريون ٣٤٦
٢- الساميون ٣٥٥
٣- عودة نفوذ السومريين "النهضة السومرية" ٣٥٩
٤- التنافس بين الأموريين والعيلاميين ٣٦٢
٥- مملكة أشنونا ٣٦٤
٦- البابليون ٣٦٦
٧- الأشوريون ٣٧٢
١- العهد الأشوري القديم ٣٧٤
٢- العهد الأشوري الوسيط ٣٧٦
٣- العهد الأشوري الحديث ٣٧٨
أ- الإمبراطورية الأشورية الأولى ٣٧٨
ب- الإمبراطورية الأشورية الثانية ٣٧٩
٨- العهد البابلي الأخير "المملكة الكلدانية" ٣٨٣
1 / 14
الموضوع الصفحة
الفصل الثامن
إيران ٣٨٧
العصور قبل التاريخية ٣٩٠
العصر الحجري القديم ٣٩٠
العصر الحجري المتوسط ٣٩٠
العصر الحجري الحديث ٣٩١
عصر بداية استخدام المعادن ٣٩٢
فترة التمهيد للعصر التاريخي في عيلام ٣٩٦
العصر التاريخي ٣٩٩
١- عيلام ٤٠١
٢- الإيرانيون: الميديون والفرس ٤٠٦
المبديون ٤٠٨
لإخمينيون ٤١٠
مراجع مختارة ٤١٣
فهرس أبجدي ٤٢٥
1 / 15
قائمة بالأشكال والرسوم:
الصفحة
١- تطور الكائنات والعائلة البشرية ٢٣
٢- فأس يدوية أبفيلية "شيلية" ٣٥
٣- فئوس يدوية أشولية ٣٦
٤- آلة موستيرية ٣٨
٥- مدرجات النيل ٤٥
٦- آلات أبفيلية "شيلية" من مصر ٥٢
٧- آلات أشولية من مصر ٥٤
٨- أسلحة موستيرية مصرية "ما قبل السبيلية" ٥٥
٩- أدوات سبيلية ٥٨
١٠- أدوات وأوانٍ فخارية من تاسا ٦٢
١١- أوانٍ وأدوات من البداري ٦٤
١٢- أوانٍ من العمري ٦٦
٣- منظر لما كان عليه مسكن من مرمدة ٦٧
١٤- أدوات وأوانٍ من مرمدة ٦٨
١٥- أدوات وأوانٍ من الفيوم ٧١
١٦- أدوات وأوانٍ من العمرة ٧٥
١٧- أوانٍ وأدوات من جزرة ٧٦
٨- أوانٍ وأدوات من سماينة ٧٨
١٩- أوانٍ من حلوان ب ٧٩
٢٠- أدوات وأوانٍ من المعادي ٨١
1 / 16
الصفحة
٢١- جزء من قائمة سقارة ٩٠
٢٢- جزء من بردية تورين ٩١
٢٣- هرم زوسر المدرج بسقارة وملحقاته ١٠٣
٢٤- الهرم الكاذب "أو المنحنى" في دهشور ١٠٦
٢٥- هرم ميدوم ١٠٧
٢٦- مجموعة منتوحتب الأول الجنزية ١٣٤
٢٧- دمية فخارية دونت عليها نصوص سحرية للقضاء على عدو ١٤٧
٢٨- أوانٍ وأدوات من مرسين ٢٩٨
٢٩- أوانٍ وأدوات من جرمو ٣٣٣
٣٠- أوانٍ من حسونة ٣٣٥
٣١- إناء من الأربجية ٣٣٦
٣٢- أوانٍ فخارية من أريدو ٣٣٨
٣٣- أعمدة مغطاة بالموازييك المخروطي الشكل في أوروك ٣٤٠
٣٤- زاقورات أور ٣٦١
٣٥- آنية سيالك٣ ٣٩٤
٣٦- أختام بها زخارف هندسية الشكل ٣٩٥
1 / 17
الجداول:
الصفحة
١- مخطط تقسيم تاريخ البشر ٢٦
٢- جدول يبين معاصرة الأسرات ٢٢-٢٥ المصرية بعضها للبعض ٢١٦-٢١٧
٣- جدول تاريخي عام ٤١٤-٤٢٣
الخرائط
١- أهم المواقع الأثرية في الشرق الأدنى القديم ٤٨
٢- أهم المواقع الأثرية في مصر ٥٣
٣- الإمبراطورية المصرية في عهد تحتمس الثالث ١٧٠
٤- انتشار الساميين في سورية ٢٧٥
٥- آسيا الصغرى ٢٩٦
٦- أهم المواقع الأثرية في بلاد النهرين ٣٣٠
٧- إيران ٣٨٩
1 / 18
الاختصارات الواردة بالكتاب:
ASA Annales du Service des Antiqnt٦s de I'Egypte، Le Caire، ١٩٠٠ ff.
BIFAO Bulletin de L"nstltut francais d'archeoiogie orientals، Le Caire، ١٩٠١ ff.
Breasted، AR. J. E. Breasted، Ancient Records of Egypt، Historical Documents from the Earliest Times to the Persian conquest (٤ vols. + ١ index)، Chicago، ١٩٠٦-٧.
Chr، d'Eg. Chronique d'Egypte، Bruxelles، ١٩٢٨ ff.
Drioton & Vandier، L'Egypte = E. Drioton and J. Vandier، L'Egypte (Les Peuples de L'Orient Mediterranean II)، (٤e ed)، Paris، ١٩٦٢.
JEA Journal of Egyptian Archaeology، London، ١٩١٤ ff.
Luckenbil!، ARAB، D.D. Luckenbill، Ancient Records of Assyria and Babylonia، (٢ Vols.) Chicago، ١٩٢٦-٧.
Macadam، Kawa، M.F.L. Macadam، The Temples of Kawa، ﴿٢ Vols.)، Oxford، ١٩٤٩، ١٩٥٥.
1 / 19
Mem Inst، Fr. Memoires Publies par، les membres des L.htm'lnstitut Francais d'Archeolegie Orientale، Le Caire، ١٩٠٢ ff.
PSBA proceedings of the Society of Biblical Archaeology. London، ١٨٧٩ ff.
Rec. de Trav. Recueil de Travaux relatifs a la philologie et a I'archelogie egyptienne et assyrienne، Paris، ١٨٧٠ — ١٩٢٣
Sethe، Urkunden (or Urk.) K. Sethe، Urkunden des Aegypti-schen Altertums، Leipzig، ١٩٠٦ — ٩ & ١٩١٣ — ٣٣.
1 / 20
الفصل الأول: منهج التاريخ:
يقدر عمر الأرض بنحو ألفي مليون عام، اصطلح الجيولوجيون على تقسيمه إلى أزمنة أو دهور طويلة، وهذه قسموها بدورها إلى أقسام فرعية١، وقد أخذت الأرض منذ نشأتها تتجه نحو البرودة التدريجية بوجه عام؛ ولكنها تعرضت لذبذبات طويلة الأجل، تناوبت فيها فترات اشتدت برودتها؛ فتقدم غطاء الجليد فيها نحو العروض ذات الحرارة المعتدلة حاليًا، وفترات مال المناخ فيها إلى الدفء نسبيًّا فتراجع الجليد إلى العروض الباردة، وكانت آخر هذه الذبذبات هي تلك
_________
١ هذه الأزمنة هى:
أ- أقدم الأزمنة "الدهر الأقدم" ويعرف باسم الزمن الأركى أو الأيوزوي.
ب- الزمن الأول أو الباليوزوي، وينقسم إلى عصور: الكامبري، الأردفيشي، السيلوري، الديفوني، الفحمي، البرمي.
جـ- الزمن الثاني أو الميزوي، وينقسم إلى عصور: الترياسي، الجوراسي، الكريتاسي.
د- الزمن الثالث أو الكاينوزوي أو الترياسي، وينقسم إلى عصور: الأيوسين، الأوليجوسين، الميوسين، البليوسين.
هـ- الزمن الرابع أو البليوستوسين، وهو أحدث الأزمنة.
1 / 21
التي حدثت في آخر الأزمنة الجيولوجية، وتعرف لدى الباحثين باسم العصور الجليدية١.
ولم تبدأ الحياة على سطح الأرض منذ نشأتها، وحين بدأت كانت عبارة عن كائنات بسيطة التكوين ثم أخذت الكائنات المعقدة في الظهور، وبعد ذلك وجدت كائنات شبيهة بالإنسان؛ ولكنها كانت أقرب إلى القردة العليا٢، ثم ظهرت كائنات تعد أسلافًا للإنسان الحديث٣؛ إلا أن تلك المخلوقات الشبيهة
_________
١ حدثت هذه الذبذبات في الزمن الرابع، وسُمِّي كل دور تقدم فيه الجليد باسم أحد وديان الألب؛ حيث عثر على الركامات الجليدية في تلك الوديان، وهذه العصور الجليدية هي:
جنتزا Guntz، مندل Mindel، رس Riss، فرم Wurm على التوالي.
٢ يمكن تقسيم هذه الكائنات إلى:
أ- سلالات أشبه بالقردة العليا، وقد وجدت بقايا هياكلها العظمية في جاوة "إنسان جاوة" وفي الصين "إنسان الصين" وغيرهما.
ب- سلالات أقل شبهًا بالقردة العليا من السلالات السابقة، وقد وجدت بقايا هياكلها العظمية في نياندرثال "إنسان نياندرثال" وفي هيدلبرج "إنسان هيدلبرج" بألمانيا، وفي روديسيا "إنسان روديسيا" وصولو في جاوة.
ويعرف إنسان هاتين المجموعتين من السلالات أو إنسان المجموعة "ب" على الأقل باسم الإنسان العامل Homo Faber.
٣ هذه السلالات قريبة الشبه بالإنسان الحديث، وحجم المخ لديها أكبر منه لدى السلالات السابقة، وقد عثر على بقايا هياكلها العظمية في أماكن مختلفة من العالم مثل: جالي هل وسوانسكومب في إنجلترا وشتاينهايم في ألمانيا وجبل الكرمل في فلسطين وكرومانيون في فرنسا وجريمالدي في إيطاليا وغيرها. ويعرف الإنسان في هذه السلالات والإنسان الحالي بأنه الإنسان العاقل Homo Sapiens.
وقد يرى البعض تقسيم هذه السلالات الأخيرة إلى قسمين:
أ- أسلاف الإنسان الحالي الأقدم الذين يتمثلون في جالي هل وسوانسكومب وشتاينهايم وجبل الكرمل.
ب- أسلاف الإنسان الحالي الأحدث، وهم في كرومانيون، كومب كابل، برن، وجريمالدي.
1 / 22
بالإنسان، وهذه الأسلاف انقرضت قبل الإنسان الحديث ولا يوجد من الأدلة القاطعة ما يؤكد صلتها به، وقد حاول الباحثون -وما زالوا يحاولون- العثور على ما يعتبرونه الحلقة المفقودة بينها وبين الإنسان؛ ولكن لم يتحقق ذلك حتى الآن "شكل١".
ولا شك في أن تاريخ الإنسان يبدأ منذ اللحظة التي ظهر فيها على سطح الأرض، وأخذ يتفاعل مع بيئته؛ فبدأ في إنتاج مظاهر حضاراته المختلفة وتدرج
شكل "١" تطور الكائنات والعائلة البشرية في العصور الجيولوجية
1 / 23
فيها وبالطبع لم يتوصل إلى ما نشاهده من حضارات راقية إلا بعد آلاف عديدة من السنين، ومن البديهي أنه لم يتدرج في مراحل الرقي بسرعة واحدة في مختلف أنحاء العالم، كذلك لم يمر في منطقة ما بالمراحل الحضارية التي مرت بها المناطق الأخرى، كما أنه لم ينتقل من مرحلة حضارية إلى مرحلة حضارية أخرى بنفس الترتيب الذي مرت به غيرها، كذلك لم تكن الفترة التي قضاها في إحدى المراحل الحضارية مساوية للفترة التي قضاها في نفس المرحلة في أماكن أخرى.
وقد تدرج الباحثون على تقسيم تاريخ الإنسان على أساس تطوره الحضاري إلى قسمين رئيسيين: القسم الذي سبق معرفته للكتابة والقسم الذي عرف فيه الكتابة، وأطلقوا على الأول اسم "ما قبل التاريخ" وأطلقوا على الثاني اسم "العصر التاريخي" على اعتبار أن الإنسان في هذا القسم من حياته توصل إلى التدوين؛ وبذلك وجد التاريخ، إلا أن تسمية القسم الأول باسم "ما قبل التاريخ" لا تتفق مع ما يعرف من أن تاريخ الإنسان يبدأ منذ لحظة ظهوره على الأرض، ومن الأفضل أن يطلق عليه اسم "عصر ما قبل الكتابة أو التدوين" أو "العصر قبل التاريخي" للتفرقة بينه وبين "العصر التاريخي" أو "عصر الكتابة أو التدوين" ومع كلٍّ فإن اصطلاح "ما قبل التاريخ" أصبح من الشيوع؛ بحيث لا يشك أحد في المقصود به.
ومن الطبيعي -وقد مر الإنسان بمراحل حضارية مختلفة- أن يختلف أسلوب حياته في هذه المراحل، وعلى هذا تعددت تقسيمات الباحثين في تاريخ الإنسان وحضاراته واختلفت وجهات نظرهم في هذا الشأن. على أن أشهر هذه التقسيمات تلك التي قسمت تاريخ الإنسان حسب المادة التي صنع منها أدواته، إلى دورين: "دور استعمال الحجر"، "دور استعمال المعادن" وهذا الأخير ما زلنا نعيش فيه إلى اليوم، وتلك التي تقسمه على أساس اقتصادي إلى مرحلتين:
1 / 24
مرحلة جمع الطعام"، "مرحلة إنتاج الطعام"، وقد نضيف إلى ذلك فنعتبر أول إنتاج للطعام ثورة صناعية يطلق عليها "مرحلة الثورة الصناعية الأولى" لما صاحب هذا الإنتاج من صناعات جديدة كالفخار؛ تمييزًا لها عن النهضة الصناعية التي حدثت في القرن الثامن عشر الميلادي التي يمكن اعتبارها الثورة الصناعية الثانية، وفيها بدأت "حركة التصنيع". ومع كل، فما زال مختلف الباحثين يقسمون تاريخ البشر حسب أسس متباينة وفق اختصاصاتهم والدراسات التي يهتمون بها، وهذه التقسيمات جميعها تهدف إلى تيسير دراسة تاريخ الإنسان والأدوار الحضارية التي مر بها؛ إلا أنه ينبغي أن ندرك أنه لا توجد حدود زمنية فاصلة بين قسم وآخر في كل من هذه التقسيمات التي لا يخلو أي منها من نقائص؛ ولكنها على كل حال تتيح لنا تتبع المراحل التي مر بها الإنسان في تاريخه الطويل، وهي -وإن اختلفت في الأسس التي بنيت عليها- تتفق فيما بينها إلى حد كبير؛ بحيث يمكن مطابقة أحد الأقسام في أي من هذه التقسيمات على مراحل واضحة المعالم في التقسيمات الأخرى؛ إذ من الممكن مثلًا التوفيق بين "مرحلة جمع الطعام" والجزء الأول من "دور استعمال الحجر" الذي يعرف باسم "الدور الحجري القديم"، وبين "مرحلة إنتاج الطعام" و"الجزء الأخير من عصر استعمال الحجر" و"دور استخدام المعادن" أي: أنها تبدأ بأوائل الدور الحجري الحديث وتستمر إلى وقتنا الحالي؛ وذلك إذا ما تغاضينا عن فترة الانتقال بين "الدور الحجري القديم" و"الدور الحجري الحديث" وهي التي يطلق عليها اسم "الدور الحجري المتوسط"، وإن كان البعض يجعل "مرحلة إنتاج الطعام" قاصرة على الفترة التي مرت على الإنسان ابتداءً من "الدور الحجري الحديث" إلى بداية " العصر التاريخي".
ويبين المخطط التالي تقسيم تاريخ البشر إلى الأقسام الرئيسية العامة:
وإذا كان في مقدورنا الآن أن نؤرخ الأحداث حسب وقت حدوثها بالنسبة
1 / 25
وإذا كان في مقدورنا الآن أن نؤرخ الأحداث حسب وقت حدوثها بالنسبة لحادث مهم له أثره في الحياة البشرية مثل ميلاد المسيح وهجرة الرسول ﷺ حيث اتخذ كل منهما أساسًا للتأريخ، فإن الأمر لم يكن كذلك في العالم القديم؛ إذ اتخذ سكان بلاد النهرين من كل حادثة مهمة أساسًا يؤرخون به ما حدث في سنتها أو السنوات اللاحقة لحدوثها، وبالطبع اختلفت هذه الأسس باختلاف المدن ثم جعلوا من حكم كل ملك تقويمًا مستقلًّا أو أطلقوا على السنين أسماء كبار رجال الدولة الذين عاشوا فيها واتخذوها أساسا يؤرخون بالنسبة له، أما المصريون القدماء فقد جعلوا من حكم كل فرعون تأريخًا تنسب إليه أحداث عهده.
وقد توصل معظم أهل الحضارات القديمة إلى التوقيت وتقسيم الزمن بصورة أو بأخرى؛ إذ عرف أهل العراق الشهور القمرية وكانوا يضبطون تقويمهم بإضافة بضعة أشهر كل عدة سنوات١، أما المصريون فقد عرفوا السنة على أساس ٣٦٥ يومًا أي بفارق ١/ ٤ يوم في السنة عن تقويمنا الحالي، وعلى هذا لا تكاد تعترض المؤرخ صعوبة في تأريخ الأحداث التي أشارت إليها الوثائق والنصوص القديمة إذا ما أمكن ربطها بعهد ملك من الملوك؛ حيث أصبح في الإمكان تأريخ حكم معظم ملوك الشرق الأدنى القديم وتقدير عمر كل مرحلة تاريخية في أى قطر من الأقطار بتتبع قوائم الملوك الذين حكموا فيه وتسلسلهم ومدة بقاء كل منهم على عرش بلاده إذا ما توفرت لدينا وثائق ونصوص تشير إلى ذلك، أما إذا أردنا تأريخ أحداث ترتبط بحلقات مفقودة في قوائم الملوك وتسلسلهم ووجدت لها آثار لا تعززها وثائق مكتوبة من ذلك القطر؛ فإن المؤرخ يستعين بمعاصرة
_________
١ بما أن السنة القمرية تنقص عن السنة الشمسية ١١ يومًا؛ فمن المرجح أنهم كانوا يضيفون ثلاثة أشهر كل ثمانية أعوام، أحدها من ٣٠ يومًا والشهران الآخران كل منهما ٢٩ يومًا.
1 / 27