فرغنا من الأكل سريعا، فصببت الشاي، والتقطت الصحف التي ألقى بها البائع - كالعادة - أسفل باب المسكن، فأعطيته واحدة، واحتفظت بأخرى.
وكنت قد درجت في الفترة الأخيرة على الجمع بين أربع عمليات في آن واحد؛ وهي تناول الشاي، وتدخين أول سيجارة، وقراءة صحف اليوم، وقضاء الحاجة. وقد تكونت هذه العادة عندما بدأت بحثي عن «الدكتور»؛ إذ كنت مضطرا إلى اختصار الفترة بين نهوضي من النوم، ومغادرتي المنزل؛ لأقضي أكبر وقت ممكن في دور الصحف والمجلات التي كنت أتردد على مكتباتها. إلا أن جذور هذه العادة ترجع إلى شعور داخلي بالمكان الملائم لقراءة صحفنا القومية. وككل عادة، أصبحت تحتل ركنا هاما من حياتي النفسية اليومية، بحيث إن التخلي عنها، أو عن جانب منها، يهدد اليوم كله، على الفور، بالتلف.
ولم أجد ما يمنعني من الجري على عادتي في هذا اليوم، خاصة وأني كنت في أشد الحاجة إلى كل ذرة من قواي الروحية، بالإضافة إلى ما يتيحه لي ذلك من الانفراد بنفسي بعض الوقت، فوضعت علبتي السجائر والثقاب في جيبي، والصحيفة تحت إبطي، وحملت كوب الشاي في يدي، ومضيت إلى الحمام.
توقعت أن يتبعني كالعادة، وهذا ما فعله، فأسندت كوب الشاي إلى حافة الحوض، وواجهته موضحا ما أنتويه، وما يترتب عليه من ضرورة إغلاق الباب.
تطلع إلي مستهزئا: «هل نسيت أني رأيت مؤخرتك العارية في وضع أقل وقارا من قضاء الحاجة؟!»
قلت: «لم أنس، لكن العادة جرت أن ينفرد الإنسان بنفسه في هذه الأمور؛ فهذه لحظة خاصة جدا.»
قال بشراسة: «إن من يتصدى للأمور العامة يفقد حقه في كل خصوصية.»
أيقنت بعبث المحاولة، فأنزلت بنطلوني، واستويت فوق الحلقة البلاستيكية لمقعد الحمام، ووقف هو في فرجة الباب يتأملني.
تناولت كوب الشاي وأخذت منه رشفتين، ثم وضعته على الأرض بجوار قدمي، وأخرجت سيجارة فأشعلتها، ثم بسطت الصحيفة وبدأت بالعناوين الرئيسية.
لكن الانسجام الصباحي المألوف لم يتحقق؛ فلم أجد مذاقا للشاي أو السيجارة، ولم أتمكن من التركيز في القراءة، والأهم من ذلك كله أن أمعائي لم تتحرك.
Неизвестная страница