55

وكان الملك قد أنجز حماس ما وعد في الليلة المشئومة، فولى كبير الحرس قيادة الجيش الاستعماري في فينيقيا، وجعل مكانه على قيادة الحرس العامة بطل هذه الرواية، فأصبح له بذلك النهي والأمر على أكثر من ثلاثين ألفا من جنود الحرس، والإشراف العام على سائر المعسكرات السلطانية في العاصمة.

إلا إن طاعة حماس لمولاه وبلوغه في الولاء، إلى هذا الحد لم يكونا ناشئين عن خوف ولا رجاء، ولا حب ولا استرضاء، ولكن عن محض تقيد باليمين المعلومة، في الليلة المشئومة؛ بحيث كان يخشى أن تغلبه المطامع على دينه، فيصبح له ولأبرياس شأن، وفي الواقع لم يكن يعوز حماس إلا حادثة تحرك من غرامه ما سكن، وتثير من آرائه ما كمن، لاسيما إن هي أتت من ساموس.

فبينما هو ذات يوم في نزهته بالمدينة يمشي في الأسواق، ويمر بمعالم الصناعة ومعاملها، ومخازن التجارة وحواصلها، وقف به المشي على دكان لرجل ساموسي من باعة الآثار اليونانية، وكان حماس من المولعين بصنائع اليونان وبدائعهم، فلبث هنيهة يتأمل فيما احتوته الدكان من ذلك، وكان لابسا حلته العسكرية اليومية، فعرف البائع منها أنه من عظماء الضباط في الجيش، فدنا منه وكلمه همسا فقال: لقد آل إلي أثر من أنفس الآثار، لا سيما في نظر عظماء الضباط أمثالك يا مولاي.

قال حماس: وما ذاك.

قال التاجر: إكليل من الغار مما فضل عن كبير الحرس القائد حماس، يوم خرج من مبارزة الأمير بهرام ظافرا منصورا.

فما كاد الرجل يستتم حتى اضطرب القائد اضطرابا بدت عليه دلائله، إلا أنه استرد جأشه فسأل الرجل قائلا: وأين هذا الإكليل؟

قال الرجل: في منزلي بالقرب من الدكان، فإن أذن مولاي فلينتظرني هنا لحظة ريثما أحضره.

قال حماس: على ألا تبطئ عني.

قال الرجل: لا تخف يا مولاي وإني مستبشر بوجودك، ولست أول من أقبل علي في هذه الأيام من الأغنياء والسراة العظام بفضل اللوح ... نعم اللوح ... اللوح الإلهي ... اللوح الرازق ... اللوح المسعد ... اللوح المنجي ...

قال هذا وهم بالذهاب، فمسك حماس بيده وسأله بلسان يتعثر من الدهش قائلا: ما هذا اللوح أيها الرجل ... ما حديثه؟

Неизвестная страница