فاستحسن الجميع عمل حماس هذا، وخرج الرجلان توا يتبعهما نفر من ضباط الملك، وخلق كثير من نظار الحروب وعشاق المعارك، وبقي الملك والأميرة وسائر وجوه المملكة في الهيكل ينتظرون المبارزة.
المبارزة
لا يجول في نفس القارئ عند سماع هذا اللفظ ما كان يجول في أنفس الساموسيين؛ إذ هم في الهيكل ينظرون ويسمعون، من أن القتال لا بد أن يسفر عن مصرع بهرام، وانتصار حماس عليه لأول وهلة، وحال الصدمة الأولى. وهذا لأنه لم يعهد في بهرام أنه بطل شديد وكمي صنديد، وأن الذي جعل فيه مشابه خلقية من حماس قد خلقه كذلك على مثاله في ثبات الجأش وشدة البأس؛ بحيث لا يستخف بشأنه، ولا ينزل به كثيرا عن قرنه، والآن نصف المبارزة فنقول: لما صار البطلان خارج الهيكل ولم يعد يؤخذ عليهما حمل السلاح، ومراس النزال والكفاح، اتفقا على أن يجعلا ميدان الهيكل ساحة الملتقى لقربه من محفل الزفاف.
فحين بلغاه اختارا السلاح لا مصريا ولا فارسيا ولكن يونانيا؛ ليكون أقرب للعدل وأجلب لتكافؤ القوى، فوقع الاختيار على الحسام البتار، ثم التف حولهما الشهود كالحلقة المفرغة من فرط الزحام، وشدة الاستحكام، وعندئذ بدأ القتال فترك حماس لمبارزه الوثبة الأولى فحمل عليه بهرام بحد الحسام حملة يجفل عن مثلها الحمام، فتنحى حماس فضاعت وطأتها الثقيلة على الهواء، ثم وقف الأمير يلتقي ويتقي وحماس أمامه كالنمر المغضب يروح ويجيء ويصول ويجول، وهو لا يتمكن منه في حركة من الحركات، ولا يغني عنه منه الثبات في الوثبات، حتى عيل صبره لهذا الحال، وظن أنه غير قادر على خصمه، ورأى الناس عليه ذلك؛ فأوجست الأنفس خيفة ودب الروع في القلوب.
وكان بهرام أول أمره يبارز براز المستقبل المستميت، حتى إذا نظر إلى سواعد الخصم وقد كلت وملت، ورأى الخور يأخذ عليه في القتال مأخذا، عاوده الأمل بالحياة وثاب إليه الرجاء بالمستقبل، فازداد قوة على قوة، واستجمع كالأسد ليعقب الوثبة القاضية.
وفي هذه اللحظة زأرت الأسود في قفصها فملأ دوي زئيرها الآفاق، وجرى ذلك في خروق مسامع الفتى فنفر كالليث الجريح، وترنم يقول بلسان فصيح:
تعيرني الأسود بأن قلبي
يخور ولا يساعد ساعديا
وقلبي لو رأته الأسد يوما
وجسمي في الثرى لرأته حيا
Неизвестная страница