يحيى بن عيسى بن جذلة الطبيب المتوفى ٤٩٣ هـ من أنه «أوقف كتبه قبل موته وجعلها في مشهد أبي حنيفة ﵁ (١)» ومن مظاهر اهتمامه بالكتب والمؤلفات حرصه على معرفة كتب اليونان المترجمة وغير المترجمة، فقد نقل من تاريخ ابن القفطي أن «فلوطيس» شرح كتب أرسطو ونقلت تصانيفه من الرومي إلى السرياني قال: ولا أعلم أن شيئا منها خرج إلى العربي، وذكر أيضا أن «مقسطراطيس» شرح كتب أرسطو أيضا وخرجت إلى العربي (٢).
٤ - أنّ قصة علاجه ومداواته لابنه محمد حين سافرا إلى مصر تكشف لنا ثقافة أبي الفداء المتنوعة وتدلنا من جانب آخر على أنه كان طبيبا بارعا، قال: «مرض ابني محمد مرضا شديدا فأرسل لنا السلطان رئيس الأطباء وهو جمال الدين إبراهيم بن أبي الربيع المغربي فحضر إلى سرياقوس وبقي يساعدني على العلاج ثم رحل السلطان من سرياقوس ودخل القلعة وأرسل إليّ حرّاقة فركبت أنا وابني محمد فيها وكان إذ ذاك يوم بحرّانه يعني سابع أيام المرض وهو يوم الخميس سادس ذي الحجة ونزلت بدار طقز تمر، على بركة الفيل، وأصبح يوم الجمعة المرض منحطا ولله الحمد» (٣) ويؤكد ذلك ما رواه أيضا الإسنوي في طبقاته فقد ذكر أن أبا الفداء حين قدم إلى
الديار المصرية استدعاه إلى مجلسه فحضر «- الأسنوي - ومعه الصلاح ابن البرهان الطبيب المشهور فوقع الكلام اتفاقا في عدد من العلوم فتكلم كلاما محققا وشاركناه في ذلك ثم انتقل الكلام إلى علم النبات والحشائش فكلما وقع ذكر نبات ذكر صفته الدالّة عليه والأرض التي ينبت فيها والمنفعة التي فيه واستطرد من ذلك استطرادا عجيبا، وهذا الفن الخاص هو الذي كان يتبجّح بمعرفته الطبيبان الحاضران وهما ابن القوبع وابن البرهان فإن أكثر الأطباء لا يدرون ذلك فلما خرجا تعجبا إلى الغاية، وقال الشيخ ركن الدين ما أعلم من ملك من ملوك المسلمين وصل إلى هذا العلم» (٤).
_________
(١) المرجع السابق ٢/ ٢٢٣.
(٢) المختصر، ١/ ٩٠.
(٣) المرجع السابق، ٤/ ١٠٠.
(٤) طبقات الشافعية، للإسنوي، ١/ ٤٥٦ ومعجم الأطباء، لأحمد عيسى، ١٤٢. وانظر قصة علاجه للملك المظفر. في المختصر، ٤/ ٣٧.
1 / 17