Колумб и Новый Мир: История открытия Америки
كولومب والعالم الجديد: تاريخ اكتشاف أميركا
Жанры
أما كولومب فسلم القيادة العامة لأخيه ثم استغرق في الصلوات والطلبات إلى العزة الإلهية بحرارة عظيمة. وإذ أطلق الهنود في الهواء نيفا وخمسمائة سهم أظلم لها الجو وسد لهولها الفضاء. ثم هبت ريح شديدة عند طلبة كولومب حولتها جميعا إلى جهة أخرى، فسقطت بعيدا دون أن تصيب المرمى؛ فاندهش لذلك جماعة الهنود اندهاشا عظيما، ثم ولوا الأدبار في كل أرجاء الجزيرة، بينما كان الإسبان يصيحون بأعلى أصواتهم: يا للعجيبة! يا للمعجزة! ولزيادة فرحهم وكثرة سرورهم انطلقوا وراءهم حتى طردوهم عن آخرهم. ولقد دعي ذلك النصر الباهر والفوز الخارج عن دائرة المعقولات: «معجزة القسي»، وصار يذكر في التاريخ محفوفا بكل تجلة وإكرام. فالله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء يدبر الأمور بحكمته البالغة، ويعمل كل غريبة ومعجزة:
يدبر ما فات ابن آدم أمره
فسبحان رب العرش فيما يدبر
ثم دعا كولومب المكان الذي صلى فيه: «الجبيل المقدس».
أما حاكم حصن «سنت توماس» فكان قد هرب وعاد إلى بلاده، حيث وشى في حق كولومب ذلك البطل المغوار متهما إياه بالجور والاعتساف. فتراءى للملكين حينئذ أنه من الأوفق انتداب رجل يختبر الحالة، ويجري كل ما يلزم، ثم يرفع تقريرا عن ذلك للملكين. فوقع الانتخاب على أجوادو - ويا ليته لم يقع عليه - فمع أن كولومب كان أحسن إليه وغمره بإحسانه ومننه، فقد ذهب إليه متناسيا ذلك متشامخ الأنف متعجرفا. فبادر بجمع شهادات سيئة في حق كولومب من كل من كان مستاء منه من البحارة الفسقة الفاسدين، والعساكر القليلي التربية، والهنود الذين كانوا يشتكون مر الشكوى من الإسبان وطمعهم الأشعبي، وذلك رغما عما كان يتخذه كولومب من الاحتياطات الكثيرة.
فأراد كولومب أن يشرع في الرجوع، وإذ هدمت العواصف سفينة «النينا» التي كانت كأنها محفوظة برعاية العلي وحسن عنايته، فإنه أصلحها وابتنى له أخرى دعاها «الصليب المقدس». ولما أوشك أن يقوم بلغه خبر وجود منجم ذهبي عظيم جدا، فأرسل مع أخيه برتلماوس العلامة الجيولوجي «بابلو بلفس» لقياس نهر «هانيا» وفحص الأراضي المجاورة له. فوجدوا على مسافة ستة أميال أن الأرض كانت كثيرة الذهب فكانوا يجمعونه بمقادير عظيمة جدا، وكميات هائلة لدرجة أنهم كادوا يظنون الأمر حلما.
ثم رجعوا إلى «مدينة إزابل» حاملين قطعا من الذهب عظيمة القدر. أما كولومب فأخذ يحمد الله ويشكره كجاري عادته، لا سيما وقد أنعم عليهم بكل تلك المنن الكثيرة.
وفي العاشر من مارس سنة 1496 أقلعت السفن قاصدة بلاد الإسبان وعليها كولومب وأجوادو وعدد كبير من البحارة، فعاكستهم الرياح معاكسة شديدة. ولما تعمقوا في المياه، وبلغوا وسط المحيط يوم 20 مايو اشتدت العواصف وعظمت الأنواء، وكادت المؤن تنفد؛ فجاع القوم واشتد بهم الطوى، وأخذوا يدمدمون بصوت خافت، ثم علت الأصوات وتفاوضوا في أمر إلقاء الهنود الذين أتوا معهم في البحر حتى تكفيهم المؤذن، وافتكر البعض الآخر في ذبحهم وشيهم وأكلهم. وفي السابع من يونيو بلغ الأميرال خبر الثورة التي قامت بين البحارة، فتأثر لمسمعها واغتاظ وجاهر بأعلى صوته: «إنه ولو استوجب الأمر موتنا جميعا واحدا فواحدا لا يمكن أن يمس أحدنا الهنود بأقل أذى، وكونوا على يقين أننا سندخل مياه رأس «سنت فنسان» بعد ثلاثة أيام على الأكثر.» وفي الواقع رأوا في اليوم الثالث الأرض التي نوه عنها كولومب تماما.
وفي الحادي عشر من يونيو دخلت السفن في ميناء «كاديس». وإذ مثل كرستوف بين يدي إيزابل نزع من فكرها كل ما كان اتهم به نظرا لتواضعه ووداعته وحسن أساليبه في الكلام. أما الملكة فكانت تعزيه قائلة: «فلنجد يا كولومب أكثر فأكثر في نشر اسم العلي ورفع شأن دينه القويم في تلك البلاد الجديدة النائية، واعلم أيها الأميرال أني أريد متابعة البحث في تلك الأراضي المجهولة والاستقصاء عن مجاهلها، وإتمام المشروع، ولو لم أجن من ورائه ثمت فائدة.» ثم حدثته بشأن منحه قطعة أرض تبلغ مساحتها مائة وخمسين فرسخا مربعا من أراضي هسبنيولا يطلق عليها اسم «مركيزات» أو «دوقيه»، وذلك في أي نقطة يختارها الأميرال بنفسه؛ لكي يجعلها مقاطعة ملوكية يقيم بها بصفته واليا على تلك البلاد. ولكن كان حنق أعداء كولومب عليه عظيما حتى إنه ما أمكنه أن يقلع بست سفن من ميناء «سان ليكادي باراميدا» إلا بعد مضي سنتين. ومن ضمن ما أجروه من الفعال السافلة أنهم استأجروا أحد الأوباش لكيما يسبه علنا بقلة الشرف والخسة والدناءة، وكل الألفاظ البذيئة والعبارات القبيحة التي يمجها السمع. كل ذلك على مشهد من الجمهور وخصوصا أمام بحارته وأنفاره. فاشتد كولومب غضبا واستشاط غيظا وصفعه ذات مرة صفعة شديدة على وجهه، فلم يعاود الكرة بل ذهب كأنه لم يكن.
الرحلة الثالثة
Неизвестная страница