Колумб и Новый Мир: История открытия Америки
كولومب والعالم الجديد: تاريخ اكتشاف أميركا
Жанры
فاتجه كولومب إلى «بالوس» نقطة قيامه بعد أن زار ملك البرتقال الذي هنأه ورحب به كل الترحيب. وليعلم القارئ أنه منذ قيامهم من بالوس في الثالث من أغسطس سنة 1492 كانت أخبار تلك السفن قد انقطعت عن أوروبا بالمرة؛ فلبست الأسرات ثياب الحداد على الضباط والملاحين وعم الحزن جميع البلاد، وكان الناس يلعنون ذلك الأجنبي الأشعبي الطمع «كولمب» قائلين عنه: إنه كان يطمح في الآمال من غير بابها، وكانوا يسبونه ويسلقونه بألسنة حداد لظنهم أنه أفقدهم آباءهم وأبناءهم وجعل أجسامهم طعاما للحيتان والأسماك.
وفي يوم الجمعة 15 مارس سنة 1493 عند الساعة الثانية عشرة، كان بعض البحارة الملازمين للسواحل خالي الشغل وفيما يلتفتون نحو البحر ذات اليمين وذات اليسار، رأوا العلم الكستيلي العظيم يتماوج فوق القلع الأكبر لسفينة صغيرة. فعرفوا أنه علم تلك البعثة التي جرى خبر ضياعها على الألسنة، وأصبح مضغة في الأفواه يلوكها الصغير والكبير على حد سوى. وإذ اقتربت السفينتان تأكدوا أن «النينا» منهما. فتصور أيها القارئ مقدار الفرح الذي حل لهؤلاء البحارة والسرور الذي خامر أفئدتهم والبهجة والانشراح والبشر التي بدت علائمها عليهم:
علائم البشر فوق الوجه بادية
وللمحيا لسان صادق الخبر
وكان دوي المدافع يزيد وطلقاتها تتوالى، فضلا عن النواقيس التي كانت تقرع والطبول التي كانت تدق، وصيحات الفرح والتهليل، وأكاليل الزهور والرياحين التي كانت تزخرف بها النوافذ. وبالإجمال فقد ثمل الأهالي من خمر الفرح ونبيذ السرور.
وبقدر ما كان فرح رجال البعثة عظيما فإنهم أسرعوا بإنجاز وعدهم وإيفاء نذرهم، فذهبوا إلى أقرب كنيسة هناك باسم السيدة العذراء، ودخلوا فيها حفاة الأقدام عراة الرءوس مرتدين بالقمصان الكنائسية. ومن حسن الصدف وغرائب الأمور أنهم دخلوا في كنيسة «سنت ماري دي لارابيدا». فطلب الأب «يوحنا بيريس» من الله عز وجل أن يلهم هؤلاء الأبطال الصبر والثبات وأن يمنحهم المعونة في رحلاتهم المستقبلة، ثم شكره وحمده على حفظه لهم في الرحلة الماضية بدون أن يصيب أحدهم ضرر أو أذى، وسأله جل وعلا أن يساعدهم حتى ينجحوا في هذا الاكتشاف الجليل. وأما الملكان فقد طلبا مقابلة كولومب إذ علما بوصوله سالما غانما.
ومن المعلوم أن بين «إشبلة» - أو هي «سيفيل» - و«برشلونة» توجد أثرى أقاليم في إسبانيا وأرغدها. وكان الأهالي يقيمون على قارعة الطريق؛ لكي يمر بهم هذا المكتشف العظيم ولكي يحيونه تحية الوداد: تحية شعب يئس ثم ظفر. وللقارئ أن يقابل بين حالة كولومب الأولى عندما كان عازما على السفر وحالته الحاضرة؛ فكان الناس يقيمون له الاحتفالات الشائقة والمهرجانات الرائقة. أما عن الزحام فحدث طبعا ولا حرج، فقد كانت الطرق والشوارع وغيرها من الممرات مزدحمة بالمتفرجين غاصة بالرائين، حتى إنهم كانوا يتركون أعمالهم في محالهم التجارية والصناعية ويذهبون لمشاهدة ذلك البطل الصنديد. كيف لا ولم يتجاوز غيره حدود الأرض التي كانت معروفة قبل هذا الاكتشاف الذي ضاعف مسطح البسيطة، وأظهر للملأ ما جهلوه أثناء قرون مما كان معدوما مبسوطة عليه يد الانطماس؟! كيف لا يفتخرون بكولمب ولم يقطع أحد مسافة أكبر من التي قطعها معرضا نفسه للأخطار؟! وكيف لا يتهللون ويسرون بوصول رجل هذا شأنه وقد عاد إليهم آمنا كاسبا؟!
وإذ مثل كولومب بين يدي الملكين وقفا له احتراما وتبجيلا، ودفعهما إلى ذلك ما ناله الرجل منذ ذلك من المقام السامي والاعتبار الفائق عند جميع أهالي الأرض على اختلاف نحلهم وتباين نزعاتهم. ثم مدا إليه يديهما، وأمرا أن يخلع عليه من ثياب الأكابر والوزراء، وأن يجلس بجانبهما على أول مقعد أمام العرش الملوكي، حيث تكلم كولومب بصوت خشوع فاهتزت له القلوب طربا، ورقصت له الأفئدة عجبا، وطربت لسماعه الآذان، لا سيما وكان فصيحا بليغا. ثم ركع الكل بما فيهم الوزراء والأمراء والملكان، وبعد صيحات الفرح والتهليل، صاحوا بغتة بنشيد: «تي ديم»؛ أي شكرا لله. واستمرت معهم الموسيقى الملوكية صادحة بأنغامها الوطنية الشجية، وكأن تلك النغمات كانت ترتفع إلى عنان السماء كأنها تريد أن توصل لرب القدرة والجلال بكيفية محسوسة وطريقة ملموسة، ما كان يدور في خلد أولئك الأبطال من الإحساسات الشريفة، والعواطف المنيفة، وحمد الله وشكره تبارك وتعالى.
وعليه فقد تم ما كان يرومه كولومب من نشر اسم الله المقدس في تلك النواحي التي يجدر بنا أن ندعوها بسيطة أخرى، وكان ذلك على يد رجل مسيحي من أقوم وأتقى أبطال هذا الدين. رجل يدل لقبه على حقيقته. كيف لا وهو كولمب؛ رمز الروح القدس، واسمه «كريستوفورس» ومعناه: باب المسيح، وقد طابق اسمه مسماه بأجلى وضوح وبيان!
الرحلة الثانية
Неизвестная страница