في اليوم الرابع من شهر كانون الثاني سنة 1493 غادرت العالم الجديد، بعد وداع رفاقي وحضهم على الاتحاد، ولم يبق معي غير سفينة ذرية؛ لأن السنتا ماريا قد غرقت، وسفينة البانتا قد سافر بها مرتين ألونزو وغادرني وحدي. وبينما نحن نخترق العباب إذا بسفينة تلوح عن بعد ولم تكن غير سفينة مرتين، فاعتذر بأن الريح حملته على مغادرتنا، وكان قد أحضر معه ستة هنود قصد التجارة بهم فأطلقت سراحهم؛ لأنه من العار أن يتاجر الأخ بأخيه، فاغتاظ مني غير أني لم أبال بذلك، فسرنا حتى بلغنا جبال السيفاي وكان قوم تلك الجبال متوحشين فحاربناهم؛ لأنهم لم يسلموا فخضعوا أخيرا للقوة.
وفي الثاني عشر من شباط اشتدت الأنواء فتقطعت الحبال وأوشكت السفن أن تغرق فأخذنا نصلي ونبتهل، وكأن الله لم يستجب، ولم يكن حزني على حياتي، بل لأني أموت ورفاقي ولا تعلم إسبانيا باكتشافاتي، فانفردت بمخدعي وأخذت قلما وقرطاسا وكتبت باختصار ما اكتشفته من البلدان وخططت الطريق، ثم وضعت تلك الورقة في نسيج ومسحته بالشمع، وعنونته باسم جلالتك وجلالة الملكة، وعينت إلى من يوصله إلى جلالتكما جائزة ألف ليرة، ثم وضعته في برميل وطرحته في البحر، وما زلنا على تلك الحال حتى الصباح، ففتشت على البانتا فلم أجدها فحسبت أن الأمواج قد افترستها، وبعد ثلاثة أيام كلها خطر ومخاوف وصلنا جزيرة من جزائر مملكة البرتوغال تدعى سانتماري، ولما عرفت أن كنيسة تلك الجزيرة على اسم العذراء أمرت رفاقي بالذهاب لزيارتها، فذهبوا ولكن طالت مدة غيابهم، ومنعني ألم في جنبي عن الذهاب معهم، وبعد يومين بلغني أن رفاقي في السجن بأمر حاكم الجزيرة، فكتبت إليه أسأله إطلاق جماعتي باسم جلالتكما، وإذا لم يفعل هدمت أسوار المدينة، فخاف الحاكم إذ ذاك وأرسل معتمدين من قبله ليطلع إذا كنا إسبانيين فعرف ذلك من أوراقي وأطلق الأسرى، وما غادرنا تلك الجزيرة حتى هاجت الرياح ثانية وأخذت البروق والرعود تتعاظم حتى رأينا الموت أمامنا، وتهيأنا لمبارحة هذا العالم، ولكننا صباح النهار الرابع من آذار رسونا قرب مدينة دوستيلو فأقبل سكانها يهنئوننا بالسلامة؛ لأنهم كانوا رأوا الخطر الذي أحدق بنا، ثم أرسلت ألتمس من ملك البرتوغال أن يسمح لي بترميم سفينتي في ليسبونا فسمح لي بذلك، وقابلني بكل هشاشة وبشاشة وسر جدا بهذا الاكتشاف وتندم لأنه لم يساعدني وعرض علي أن أسافر برا على نفقته فرفضت ذلك، ثم برحت المدينة في الثالث عشر من آذار حتى وصلت إلى ميناء بالوس في الخامس عشر منه، بعدما غبت عن وطني أيها الملك سبعة أشهر ونصف شهر قضيتها بالأخطار والمخاوف. (مرتين ألونزو قادته الأنواء إلى ميناء «بيسكاي» في فرنسا، وإذ حسب أن كولومب غرق أرسل إلى الملك يخبره عن الاكتشافات، ولما وصل إلى ميناء بالوس شاهد سفينة كولومب فتكدر كثيرا، وخرج سرا إلى بيته، وأخذ ينتظر جواب الملك فأجابه يحظر عليه التوجه نظرا لسوء سلوكه، فساءه جدا هذا الجواب، وأصيب بمرض عضال فقضى نحبه.)
الملك :
إن مرتين وصل اليوم، وكتب إلي يطلب مواجهتي فرفضت؛ وذاك لأنه خانك.
الكردينال :
طوباك يا كولومب، ما أعظم جهادك!
ستنجل :
لقد حققت آمالنا أيها الأميرال، فلك منا جزيل الشكر.
المرشد :
إن العلماء سرج الأزمنة، فهنيئا لإسبانيا بك يا سراجها الوهاج. (يدخل دياكو.)
Неизвестная страница