80

المعرفة لأثيمين

العلم للعثيمين

Исследователь

صلاح الدين محمود

Издатель

مكتبة نور الهدى

Жанры

وبالمجادلة؛ لأن من تدعوه إما أن يكون لا علم عنده ولا منازعة عنده ولا مخالفة فهذا الذي يدعوه إما أن يكون لا علم عنده ولا منازعة عنده ولا مخالفة فهذا يُدعى بالحكمة، والحكمة هي بيان الحق، وحكمة الحق إن تيسر ذلك؛ والموعظة تكون مع من عنده شيء من الإعراض وتوقف عن قبول الحق فإنك تعظه بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى وبهما جميعًا إن اقتضت الحال ذلك، والمجادلة تكون مع من عنده إعراض ومنازعة في الحق فإنك تجادله بالتي هي أحسن من القول أو بالتي هي أحسن بالإقناع. وانظر إلى مجادلة إبراهيم ﵇ مع الذي حاجه في ربه، قال الله عن ذلك: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٢٥٨] . وكيف هذا؟ يؤتى بالرجل مستحقًّا للقتل فلا يقتله وهذا بزعمه إحياؤه، ويؤتى بالرجل لا يستحق القتل فيقتله وهذا بزعمه إماتته، يمكن أن يُجَادل هذا بأن يقال: إنك إذا أوتيت بالرجل المستحق القتل فلم تقتله، إنك ما أحييته؛ لأن الحياة موجودة فيه من قبل، ولكنك أبقيت الحياة بعدم قتله، ويمكن تقول: إنه إذا قتل من لا يستحق القتل إنه لم يمته، وإنما فعل سببًا يكون به الموت. ولهذا ذكر النبي ﷺ في قصة الدجال أنه يؤتى إليه بشاب فيشهد هذا الشاب أنه الدجال الذي أخبر عنه النبي ﷺ فيقتله الدجال، ويجعله قطعتين ويمشي بينهما تحقيقًا للتباين بينهما، ثم يناديه الدجال فيقوم متهلهلا يضحك يقول: أشهد إنك الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله ﷺ، ثم يأتي ليقتله فلا يقدر١. فهذا دليل على أن الأمر كله بيد الله. فيمكن أن يحاج هذا الرجل بمثل ذلك، ولكن إبراهيم ﵇، أراد أن يأتي بدليل آخر لا يحتاج إلى محاجة ولا مجادلة، قال إبراهيم: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي

١ صحيح: رواه مسلم ٢٩٣٨. وأصل الحديث في الصحيحين.

1 / 95