85
نظرة الصحابة ومن بعدهم للسنة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فمع الدرس التاسع من دروس المجموعة التي أطلقنا عليها اسم: كن صحابيًا. حديثنا إن شاء الله تعالى عن الصحابة رضوان الله عليهم وكيف كان اتباعهم لرسول الله ﷺ ولسنته، وكيف كان تعاملهم مع هذه السنة المطهرة. إن نظرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى السنة كانت نظرة فريدة حقًا، فقد كانوا يعظمونها إلى درجة لا يتخيلها إلا من درس حياتهم بعمق، فدرس كل نقطة من نقاط حياتهم رضوان الله عليهم أجمعين. ثم مع مرور الزمن تفاوتت نظرة الناس الذين جاءوا من بعد الصحابة، فاختلفت نظرتهم للسنة، فمنهم من عظمها ولكن كشيء نظري، فيأخذ ويترك منها ما شاء. ومن الناس من اعتقد أنها شيء من الكماليات لا من الضروريات. ومن الناس من اعتقد أن السنة أشياء وأمور خاصة برسول الله ﷺ، وليست لعموم الأمة، فإذا قلت لأحدهم: كان الرسول ﷺ يعمل كذا، أو يقول كذا، أو كان يتعامل بالطريقة الفلانية في هذا الأمر، يقول لك: هذا الرسول، أما أنا فلست برسول!! ومن الناس من تطاول على السنة، فطعن فيها وألقى بالشبهات، واتبع المتشابه منها وأعرض عن المحكم. فهذا تفاوت كبير في تعظيم السنة في الأجيال التي لحقت برسول الله ﷺ، لذا فنحن نريد أن نرى نظرة الصحابة للسنة النبوية، وكيف كان تعاملهم معها. إن ارتباط الصحابة بالسنة كان سببًا مباشرًا لوصولهم إلى رضا الله ﷿، وإلى حب الله ﷿، فالله ﷿ لن يحب عبدًا حتى يتبع سنة رسوله ﷺ، قال تعالى مصرحًا بذلك: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران:٣١]، فحياة الرسول ﷺ كانت التفسير العملي للقرآن الكريم، والتطبيق الواقعي لما أراده الله ﷿ من العباد، فكل صغيرة وكبيرة في حياة الرسول ﷺ كانت لهدف مقصود ومتابعة بالوحي، ولذا تستطيع أن تقول بمنتهى الاطمئنان: إن كل أفعال النبي ﷺ كانت متابعة بالوحي الكريم من الله ﷿، فإما أن الله ﷾ يقول له: اعمل كذا وكذا، وإما أنه ﷺ فعل فعلًا ونزل الوحي بالتأكيد أو بتعديله إلى شيء آخر. فإذًا: كل شأن من شئون حياة رسول الله ﷺ كانت متابعة بالوحي، وليس هذا إلا للرسول ﷺ والأنبياء فقط، وهذا يعني: أنه لا يجوز تقليد إنسان تقليدًا مطلقًا، وإنما ذلك للنبي ﷺ؛ لأن كل إنسان غير النبي ﷺ قد يصيب ويخطئ، وكل إنسان يؤخذ من كلامه وأفعاله ويرد، إلا المعصوم ﷺ.

9 / 2