العلم النافع
الضابط الثاني: العلم النافع، أي: لا بد أن يكون هذا العلم الذي تتعلمه علمًا نافعًا، ودائمًا يوصف العلم المرغب فيه شرعًا بكونه نافعًا.
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) أي: أنه ليس صحيحًا أن يصرف الإنسان عمره ووقته وجهده في تعلم علم لا يعود بالفائدة والنفع على أمته وعلى الأرض بصفة عامة، مثل الذي ينفق عمره في الجري وراء تفصيلات لا ينبني عليها عمل في قصص الأنبياء والسابقين، فمثلًا: كم كان طول سفينة نوح ﵇؟ كم يومًا مكث الطوفان؟ وأي نوع من أنواع الحيوانات سبقًا في الصعود على سفينة نوح؟ وكم مكث قابيل عند قتله لهابيل شهرًا أم سنة قبل دفنه؟ وتفصيلات أخرى لا ينبني عليها أي عمل وليس لها أي معنى.
وأيضًا في علوم الحياة المختلفة، فليس صحيحًا أن يصرف الإنسان وقته في أشياء لا تنفع، وربما قد تضر كبعض العلوم الفلسفية، وكصرف الوقت في قراءة القصص والروايات، أو كتابة أو قراءة الشعر الإباحي، أو غير هذا من العلوم التي لا تقبلها الفطرة السليمة، فضلًا عن أن يعيش الإنسان عمره وحياته ليدرسها.
وهذا يرجعنا للمناهج التعليمية في المدارس والجامعات، فلا بد أن يكون المنهج معمولًا لينتفع به الطالب ومن ثم ينفع الأمة بعد ذلك، فلو شعر الطالب أن العلوم التي يدرسها مجرد حشو ليملأ فراغ السنة الدراسية وأنه لا يمكن أن يستفيد منه، فغير ممكن أن الطالب يستطيع أن يحصِّل هذا العلم، إذ لم يكن عنده النية الصادقة المخلصة في أن يتعلم العلم لينفع نفسه وأمته، وأيضًا لن يستفيد، إذًا فالعلم لا بد أن يكون علمًا نافعًا، ولا بد أن يتعلمه بنية أن يستغله في بناء الأمة وفي نفع الإنسان في الأرض بصفة عامة.
إن العلم الذي ليس فيه صفة النفع ليس علمًا ضروريًا، بل على العكس، فهو شر يجب الاستعاذة منه، والحذر من تضييع الوقت في سبيل تحصيله؛ ولهذا نستطيع فهم الحديث اللطيف والدعاء الجميل الذي كان يدعو به الرسول ﷺ، ففي مسلم عن زيد بن أرقم ﵁ قال: كان رسول الله ﷺ يقول: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) فيستعيذ بالله ﷿ من أن يضيع وقته في علم لا ينفع، ثم قال: (ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها).
5 / 7