تابع أسباب الإحباط من إمكانية تقليد جيل الصحابة
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فهذا هو الدرس الثالث في مجموعة: كن صحابيًا، وسبق لنا أن تحدثنا عن موضوع أسميناه: القابضون على الجمر، والقابضون على الجمر هم: المسلمون الذين يتمسكون بدينهم في زمان كثر فيه الشر، وانتشرت فيه المعاصي، وتعددت فيه الفتن.
القابضون على الجمر هم: الذين يسيرون في طريق الصحابة حتى بعد ألف وأربعمائة سنة أو أكثر من انتهاء جيل الصحابة، وهم لا يأخذون من الأجر كأجر صحابي واحد، بل يأخذون كأجر خمسين صحابيًا، وعلى النقيض من هذه الطائفة الرائعة من المسلمين، أعني: طائفة القابضين على الجمر، هناك طائفة أخرى من المسلمين تعاني من مشكلة أعتبرها خطيرة، ألا وهي مشكلة الإحباط من إمكانية تقليد جيل الصحابة، أو التعامل معه كقدوة عملية نستطيع أن نعمل مثلها، فهؤلاء يعتقدون أنه من المستحيل علينا أن نفعل مثلما كان يفعل الصحابة، أو نفكر مثلما كانوا يفكرون، أو نعبد الله ﷿ كما كانوا يعبدون، لماذا يا ترى هذا الإحساس في داخل بعض المسلمين؟ سبق وأن ذكرنا فيما مضى أربعة أسباب لهذا الأمر نذكرها باختصار: أولًا: الاعتقاد بأن وجود النبي ﷺ بين ظهراني الصحابة كان سببًا في وصولهم إلى هذا المستوى الراقي، وقد ذكرنا أن وجود رسول الله ﷺ كان مهمًا جدًا، لكنه ليس حتميًا لتطبيق شرائع الدين، وإلا لما أمر الله ﷿ اللاحقين بنفس التكاليف التي أمر بها الصحابة، والموضوع فيه تفصيل كثير، والذي يريد أن يعرف التفاصيل فليرجع إلى الدرس السابق.
ثانيًا: رفع الصحابة رضوان عليهم فوق بشريتهم، والحديث عنهم بشيء من المبالغة التي تؤدي إلى استحالة التطبيق.
ثالثًا: الاعتقاد بأن كل الصحابة تفوقوا في كل المجالات بصورة واحدة، ونسيان أن كل صحابي قد تفوق في مجال من المجالات، وتفوق عليه غيره في مجال آخر، ولن تستطيع كإنسان أن تحصّل إنفاق أبي بكر مع إدارة عمر مع جهاد خالد مع علم عائشة مع فقه عبد الله بن عباس مع حياء عثمان مع قضاء علي، فذلك مستحيل، فالناس التي تنظر للجيل كله كوحدة واحدة صعب عليها أن تقلد كل الجيل، وإنما تقلد واحدًا تشعر أنت أن إمكانياتك وقدراتك ومواهبك تتوافق مع المجال الذي هو كان متفوقًا فيه.
رابعًا: تعمد بعض العلماء إغفال أخطاء الصحابة الناتجة عن كونهم بشرًا، والبشر جميعًا يصيبون ويخطئون، فالعلماء عملوا ذلك منهم بحسن نية، وحرصًا على تنزيه الصحابة، لكن هذا الأسلوب من التربية أدى إلى اعتقاد أن الصحابة لا يخطئون أبدًا، وبالتالي إذا أخطأ المسلم الآن فإنه يحبط في أن يصل يومًا ما إلى ما وصل إليه الصحابي.
إذًا هذه أربعة أسباب أدت إلى إحساس بعض المسلمين أو كثير من المسلمين إلى أنه صعب عليه أن يقلد الصحابة، فلا يفعل كثيرًا من الطاعات، وإذا ذكرته بصحابي ما وقلت له: كان يفعل كذا وكذا، يقول لك: والله أنا لست صحابيًا، فأنا لست عبد الله بن عمرو ولست أبا ذر، وقد يرتكب المنكرات، فإذا ذكرته بصحابي تغلب على شهوته وامتنع عن المنكر، قال لك: والله أنا لست صحابيًا فلست أبا بكر ولا عمر وهكذا.
والحقيقة أن هذا شيء خطير جدًا، أن يفتقد المسلمون قدوتهم الصالحة، أن يعتقد المسلمون أن هذه القدوات قدوات غير عملية، أو أن اتباعها ضرب من الخيال.
وسنتكلم بمشيئة الله تعالى عن سبب خامس مهم جدًا أدى إلى اعتقاد كثير من المسلمين إلى استحالة تقليد الصحابة، ولذلك عندما نعالج هذا السبب -في اعتقادي- سيؤدي إن شاء الله إلى خير كثير، وسيكون عند كثير منا أمل في الوصول إلى ما وصل إليه الصحابة إن شاء الله تعالى.
3 / 2