تراث كليوباترا
(1) الانتصار الروماني
انتصر أوكتافيان في خريف عام 29 قبل الميلاد كما ذكره ديو كاسيوس (المجلد 51، الفصلان 21-22):
كانت الممتلكات الأخرى رائعة ... لكن كان أبهاها وأفضلها تلك التي تخلد ذكرى مصر. ومن بين الأشياء التي حملت تمثال لكليوباترا وهي مستلقية في وضع وفاتها على أريكة، حتى يمكن عرضها في الموكب مع الأسرى الآخرين ومع أطفالها، الإسكندر هيليوس وكليوباترا سيليني. بعدما انتهى أوكتافيان من هذه الاحتفالات، افتتح معبد منيرفا (المعروف أيضا باسم كالسيديكوم)، ومبنى مجلس الشيوخ يوليا، الذي بني تكريما لوالده. وأرسل إلى هذا المجلس تمثال النصر، الذي لا يزال هناك، مدعيا على ما يبدو أنه تسلم الإمبراطورية منها [أي من إلهة النصر]. كان هذا التمثال ينتمي لأهالي تارانتو وأحضر من هناك إلى روما، ووضع في مجلس الشيوخ وزين بغنائم مصر. (ترجمة ميدوز 2001: 14)
ضربت عملات تحمل صورة تمساح تمثل مصر احتفالا بنصر أوكتافيان. وفي بلاد الغال حملت نسخة من هذه العملات شكل تمساح مربوط في نخلة ومعه إكليل النصر. وهكذا كان الاحتفال بالنصر الروماني خارج مصر. (2) مصر في عهد أغسطس
في عام 27 قبل الميلاد حصل أوكتافيان على لقب أغسطس من مجلس الشيوخ الروماني، وأعلن الحاكم نفسه المواطن الأول في النظام الجمهوري الجديد بعد استعادته، وأول إمبراطور لروما. ورغم أن هذا الإمبراطور كان يضمر العداء علنا تجاه الثقافة والديانة المصرية، فإنه استخدم مع هذا التماثيل المصرية في الترويج لانتصاره على كليوباترا . وكانت المعابد التي افتتحها أغسطس في مصر وسيلة واضحة للترويج لمركزه الجديد كحاكم للدولة. ومع ذلك عندما سئل عما إذا كان يريد رؤية ثور أبيس في ممفيس، رفض (ديو 51. 16). كانت تحضر المسلات من مصر إلى روما وتوضع في ميدان الإله مارس وسيرك ماكسيموس (ألفانو 2001: 286). وبالإضافة إلى هذا أدخل العديد من العناصر المصرية على تصميم أغسطس لضريحه الخاص. بدأ العمل في هذا الضريح مباشرة بعد عودة الإمبراطور إلى روما، ويقال إنه استخدم كمقارنة سياسية مباشرة مع مارك أنطونيو الذي ذكر في وصيته أنه يريد أن يدفن في مصر مع كليوباترا (زانكر 1990: 72-77). وضعت المسلات المصرية التي توجد في مدخل المقبرة الضخمة في الأمام إشارة لنصر أغسطس على منافسه. ووصف سترابو («الجغرافيا» 5. 3. 9) البناء وتمثال أغسطس، والحدائق التي توجد خلفه. زين البناء في وقت لاحق بقائمة بإنجازات أغسطس طوال فترة حكمه الطويلة.
لم يسيطر على روما «الهوس بالمصريات» حقا إلا في أواخر القرن الأول الميلادي. فلم تلعب العائلة الإمبراطورية دورا نشطا في الترويج للعبادات المصرية إلا في عهد الإمبراطور دوميتيان على وجه الخصوص. ولا يسع المجال في هذا الكتاب لمناقشة هذه المبادرات بأي قدر من التفصيل. ومع ذلك فإن شعبية مصر التي حدثت في القرنين الأول والثاني الميلاديين كانت دون شك بسبب كليوباترا، لا لمجرد أن هزيمتها أدت إلى إعلان سيطرة الرومان على ولاية مصر رسميا، وإنما لأن الكثير من أباطرة الرومان، تماما مثل البطالمة من قبلهم، كانوا يستمتعون بالطبيعة الغريبة للثقافة المصرية .
علينا التمييز بين العبادات والمعابد المصرية، وأساليب الزخرفة التي تتبنى طابعا معينا مثل تلك الموجودة في مدينة هركولانيوم وبومبي في منتصف القرن الأول الميلادي. وتعتبر قاعة إيزيس في هضبة بالاتين في روما خير مثال على الفئة الأخيرة من نظم الزخرفة المصرية وغالبا يقترب تاريخ صنعها من حكم أغسطس، وقد صنعت على الأرجح في عهد كاليجولا الذي ينحدر من سلالة مارك أنطونيو. يوجد من بين الصور صور لأفاعي الكوبرا وصلاصل وزهور اللوتس، ومن الواضح أن الغرض منها كلها الإشارة إلى مصر والعبادات المصرية (ياكوبي 1997).
مؤخرا ربط تفسير جديد للنقوش الزخرفية البارزة على إحدى المزهريات المصنوعة من الزجاج المنقوش، يطلق عليها عادة «مزهرية بورتلاند»، هذا الإناء الزجاجي بكليوباترا ومارك أنطونيو (ووكر 2004). صنعت هذه المزهرية في عهد أغسطس. وقد ظهر عدد من التفسيرات المقترحة للتصميم الزخرفي للمزهرية (ووكر 2004: 41-63). يتحدث النسق العام في الزخرفة عن إغواء سيدة مستلقية للشخصية الذكرية الرئيسية، وهو ما يرتبط بوضوح، حسبما اقترح ووكر مؤخرا، بقصة أنطونيو وكليوباترا، لا سيما كما وردت في رواية الكتاب الرومان لها. في التفسير الجديد للنقش تظهر كليوباترا وأنطونيو مع إيروس على أحد أوجه المزهرية، وعلى الوجه الآخر تجلس أوكتافيا على بقايا بناء متهدم، ويحيط بها أوكتافيان على يسار المشاهد وفينوس، إشارة إلى فينوس جينتريكس راعية عائلتهم، في جهة اليمين. وتوجد أمثلة أخرى على مصنوعات من الزجاج المنقوش ربما تشير إلى قصة أنطونيو وكليوباترا والانتصار اللاحق لأغسطس لروما (ووكر 2004: 61-63). (3) كليوباترا ومارك أنطونيو: تماثيل ما بعد الوفاة
من الخطأ افتراض أن الانبهار بكليوباترا وتطور «أسطورتها» أمران حديثان؛ فكما رأينا من حجم النقاش الذي دار حول وفاتها (بلوتارخ وديو)، كانت آخر ملكة لمصر شخصية جذبت اهتماما كبيرا وفضولا كبيرا في أثناء حياتها وعقب وفاتها مباشرة؛ ومن ثم لا عجب في صنع تماثيل لكليوباترا عقب وفاتها؛ فقد استمرت بالطبع سلالة مارك أنطونيو من خلال الإمبراطور الروماني كلوديوس الذي ينحدر من نسل أنطونيو وأوكتافيا.
Неизвестная страница