يعرف القارئ أنه عقب هزيمة مارك أنطونيو وكليوباترا في معركة أكتيوم وما تلا ذلك من فرار جيشهما، هربت كليوباترا إلى ضريحها (76) و«أنزلت الأبواب المعلقة المدعمة بقضبان ومزاليج وأرسلت رسلا يخبرون أنطونيو بوفاتها». في مقولة مزعومة يتحسر أنطونيو على أن كليوباترا كانت أكثر شجاعة منه بانتحارها؛ إذ اختارت الاختيار الكريم؛ حتى إن عبده إيروس استطاع إنهاء حياته، بينما فشل أنطونيو في محاولته لفعل هذا. حمل أنطونيو الجريح إلى نصب كليوباترا التذكاري. ويوجد اعتقاد في أن هذا البناء كان على مستويين أو كان مرتفعا عن الأرض؛ لأنه عندما لم تفتح الملكة الأبواب رفع أنطونيو حتى يستطيع الدخول (انظر أيضا ديو). يركز بلوتارخ كثيرا على هذا «المشهد المثير للشفقة» لهذا الحاكم الروماني الجريح وهو يرفع إلى كليوباترا. مرة أخرى يشار إلى قوة كليوباترا وهي تكافح من أجل ضم أنطونيو إليها. سرد بلوتارخ هذا المشهد بالتفصيل، كما لو كان شهده بعينيه:
كانت هذه المهمة تكاد تفوق قوة أية امرأة، ولم تستطع كليوباترا إلا بصعوبة بالغة، وهي تمسك بالحبل بكلتا يديها وتظهر على وجهها المشوه علامات الإنهاك، أن ترفعه إليها، بينما كان الموجودون على الأرض يشجعونها بصيحاتهم ويشاركونها في حزنها.
يرد وصف وفاة أنطونيو في الجزء 77؛ حيث مات متأثرا بجراحه.
يخبر بلوتارخ القارئ أيضا عن رغبات أنطونيو (58)، فيقول إنه ذكر في وصيته أن يرسل جثمانه إلى كليوباترا في مصر، لافتراضه على الأرجح أنه سيموت في معركة خارج البلاد. انتقد الرومان المآدب التي كان أنطونيو يقيمها، وقراءته لخطابات الحب على الملأ، وهداياه إلى كليوباترا. حتى إن ديليوس (الشاب المفضل لدى أنطونيو) يقال إنه كان يخشى على حياته (59). (1-2) كليوباترا وأوكتافيان
قال أوكتافيان إنه سيمنح كليوباترا أي شيء ضمن حدود المعقول شريطة أن تقتل أنطونيو أو تطرده من مصر. ويمثل وصول أوكتافيان إلى مدينة الفرما وما تلا ذلك من استسلامها بداية الاحتلال الروماني (بلوتارخ، «حياة أنطونيو»، 74). يعرف القارئ أيضا أن كليوباترا بنت «عددا من النصب التذكارية والمقابر المرتفعة الرائعة الجمال بالقرب من معبد إيزيس»، وأنها جمعت ثروتها كلها في مكان واحد. بعد هذا الفصل يركز بلوتارخ على وفاة الملكة (انظر الجزء القادم).
انتقالا من الحديث عن وفاة أنطونيو، يستمر بلوتارخ في كتابه «حياة أنطونيو» بالحديث عن العلاقة التي تلت ذلك بين كليوباترا وأوكتافيان (78). يقول بلوتارخ إن هذا القائد الروماني كان يخاف من احتمال إضرام كليوباترا النيران في ثروتها وإنه أراد القبض عليها حتى تشارك في موكب النصر الذي سيقيمه في روما. لا شك أن كليوباترا أدركت هذا المصير، فيقول المؤلف إن طلبها الوحيد من أوكتافيان كان تكرارا لجزء من التماسها الأصلي بالسماح لأطفالها بخلافتها وتولي الحكم في مملكتها. يتفق هذا مع تقديمها لبطليموس قيصر على أنه شريكها في الحكم ووريثها. وفي الفصل 83 تلتقي كليوباترا بأوكتافيان وجها لوجه. شمل وصف بلوتارخ لمظهرها الخارجي ملحوظة يقول فيها إن جاذبيتها وجمالها لا تزالان ظاهرة رغم حالة الأسى التي تمر بها. توجد رواية إضافية تحكي عن شخصية كليوباترا الحادة الطبع؛ فعند اكتشافها أن أحد خدمها أخبر أوكتافيان بأنها تخفي جزءا كبيرا من ثروتها قفزت الملكة على قدميها وأمسكت به من شعره ولكمته في وجهه.
تظهر قدرة كليوباترا على خداع أوكتافيان؛ ومن ثم إيقاعه في سحرها كما قد يفترض المرء، في هذه الفقرة أيضا . ادعت كليوباترا أن الكنوز التي وضعتها جانبا كانت هدايا لأوكتافيا وليفيا (الأولى أخت أوكتافيان والثانية زوجته)، ويخبرنا المؤلف أن القائد الروماني اعتبر هذا علامة إيجابية على رغبة كليوباترا في الحياة. (1-3) انتحار كليوباترا
يصور بلوتارخ في الفصل 60 سيدة تقبلت قدرها لكن يبدو أنها ما زالت تنكر المصير المحتمل الذي ينتظر حبيبها وكذلك وريث عرشها، فيقال إن كليوباترا طلبت أن يظل أطفالها على العرش في مصر وأن يعود أنطونيو إلى أثينا، إن لم يسمح له بالبقاء في مصر (بلوتارخ «حياة أنطونيو» 72). إلا أن طلبها هذا قد رفض (73).
يذكر بلوتارخ (79) بعد هذا أولى محاولات كليوباترا للانتحار، عندما حاول اثنان من رجال أوكتافيان إلهاءها وتسلق المبنى. حاولت الملكة طعن نفسها لكن منعها بروكوليوس، أحد رجال أوكتافيان، الذي بحث عندها عن سم. جاءت محاولة الانتحار الثانية، بالإضراب عن الطعام، عقب دفن جثمان مارك أنطونيو (82). وفي الفصلين 84 و85 يذكر حرق جثمان أنطونيو وإشراف كليوباترا على مراسم جنازته، بينما تخطط لموتها.
فيما يلي عرض لما ورد في الفصل 85 عن وفاة كليوباترا، فيقول بلوتارخ:
Неизвестная страница