ذكر سترابو أن القصور الملكية كانت توجد على طول شاطئ البحر، على الأرجح لأن هذا كان الموقع الأفضل في المدينة، لا سيما في ظل الرطوبة التي يتسم بها فصل الصيف في الإسكندرية. إن موقع الكورنيش الحديث حاليا على الواجهة البحرية لا يمت بصلة لموقع الشاطئ أثناء حكم البطالمة، فحاليا توجد قصور البطالمة تحت سطح البحر وتحت الكتل الإسمنتية الضخمة التي وضعت لتعمل كحواجز للأمواج. في عام 1995 أعلن عن اكتشاف فريق من علماء الآثار الغارقة لقصور كليوباترا. وقد استنتجوا هذا عقب التعرف على تمثالين لأبي الهول من الجرانيت، يقال إنهما كانا يحملان ملامح وجه والد كليوباترا (تحرير جوديو وكلاوس 2006: 56؛ كيس 1998: 169-188). عثر على تمثالي أبي الهول هذين مع تمثال لكاهن روماني يحمل تمثالا للإله أوزوريس-كانوبوس. وكما أشار الإعلان الأول عن هذه القطعة بالذات، فإن هذا النوع من التماثيل لم يصنع إلا في العصر الروماني (دونو 1998: 189-194). كذلك أرى أن الأدلة على هوية تمثالي أبي الهول هذين ضعيفة للغاية؛ فإن ملامح وجههما أقرب للشبه بالشكل العام لأبي الهول الذي ظهر في أوائل عصر الرومان (أشتون 2002ب)، ولا يشبه ملامح الوجه المميزة لوالد كليوباترا. كما أن تحديد تاريخ مجمع المباني هذا لا بد أن يتسم بمزيد من الحرص؛ فإن الأدلة تشير إلى أن هذه البقايا المادية يرجع تاريخها إلى أوائل عهد الرومان أكثر من انتمائها إلى عصر كليوباترا السابعة بالذات كما أشير.
لقد خصص قيصر نفسه قبرا لبومباي، القائد الروماني الذي قتل على يد بطليموس الثالث عشر والذي قدم رأسه إلى قيصر، عقب نزوله إلى الإسكندرية مباشرة عام 48 قبل الميلاد. لكن بحلول زيارة الإمبراطور هادريان إلى العاصمة المصرية عام 130 قبل الميلاد كان هذا القبر قد تهدم. وقد أمر هادريان بترميمه وأعاد افتتاحه. (3) القصص والتصورات
رأى الكتاب الرومان أن الانحلال الأخلاقي في البلاط الملكي البطلمي وإغراقه في الرفاهية كان أمرا شائنا. اعتبرت السلالات الهلنستية الترف إحدى السمات الإيجابية (سميث 1988: 52)، لكن كثيرا من المحللين الرومان أظهره على أنه أحد أسباب سقوط أنطونيو (بلوتارخ «حياة أنطونيو» 28). كان البلاط البطلمي وكل ما يرمز إليه يتناقض بشدة مع نمط الحياة المتواضع نسبيا الذي اتبعه أوكتافيان. ويبدو أن الكتاب الذين جاءوا فيما بعد لم يهتموا بحقيقة أن البيت الإمبراطوري الروماني قد تطور ليصبح نموذجا يتفوق بالفعل في بذخه على البلاط البطلمي.
حتى قيصر انبهر بثراء كليوباترا، وهو ما قد يفسر إلى حد ما كيف أسرت الملكة هذا القائد الروماني (لوكان، «فرساليا» 123-200). يتناول جزء كبير من قصيدة لوكان الانحلال الناتج عن الإغراق في الترف في مصر: «كانت العوارض مكسوة بطبقات من الذهب؛ ولم توجد أية ألواح خشبية رقيقة على الجدران، إنما بنيت من كتل صلبة من الرخام تضيء القصر» (ترجمة جويس 1993: 135-138). أكملت عوامل مثل: وجود عبيد من عدة بلدان واستخدام خمر ولحم حيوانات مقدسة في مصر، عملية الانهيار (150-200).
يشير بليني الأكبر إلى الترف الموجود في البلاط البطلمي عبر ذكر امتلاك كليوباترا أكبر لآلئ في التاريخ بالإضافة إلى الوليمة التي أقامتها مع مارك أنطونيو. يقال إن كليوباترا زعمت أنها كانت تنفق 10 مليون سستركة (عملة رومانية قديمة) في الوليمة الواحدة. يصف بليني هذا فيقول:
بناء على تعليمات سابقة وضع الخدم أمامها وعاء واحدا يحتوي على الخل، من أقوى الأنواع الذي بإمكانه إذابة اللآلئ. وكانت في ذلك الوقت ترتدي في أذنيها تلك اللآلئ الرائعة والفريدة التي ابدعتها الطبيعة. كان الفضول يسيطر على أنطونيو ليرى ماذا ستفعل. خلعت أحد قرطيها وأسقطت اللؤلؤة في الخل وعندما ذابت شربته.
تبدو هذه القصة خيالية بوضوح ويقال إن الخل قد استخدم حتى تسهل استعادة اللؤلؤة (التاريخ الطبيعي 11، طبعة لوب: 224 قسم 121). ومع ذلك تظل هذه القصة موجودة كمثال على فساد البلاط البطلمي. يستخدم بليني هذه الفرصة ليعلق قائلا: إن هذا الرهان لم يكن المعركة الوحيدة التي خسرها أنطونيو.
في المجلد الرابع، الفصل 29 يذكر أثينوس أن مصدره في رواية هذه القصة كان سقراط الرودسي الذي سرد في مجلده الثالث من كتاب «الحروب الأهلية» صور الضيافة التي قدمتها آخر ملكة لمصر. كان من بين الهدايا التي قدمتها إلى ضيوفها تماثيل إثيوبية تحمل المصابيح وأثاثا من الوليمة وأطباقا من التي تناولوا طعامهم فيها (6. 299ج). وعندما أدركت كليوباترا أن الرومان كانوا يراقبون نمط حياتها الباذخ، تحولت من استخدام أدوات المائدة المصنوعة من الذهب والفضة إلى استخدام «أدوات المائدة العادية»؛ مما يوحي بأن استخدام أدوات المائدة الذهبية والفضية كان القاعدة (طومسون 2003: 83-84).
أعاد بلوتارخ («حياة أنطونيو» 28) سرد ذهول الطبيب فيلوتاس من أمفيسا عند رؤيته لكم الطعام الذي يعد من أجل وليمة ملكية صغيرة في المدينة. تحتوي هذه الفقرة أيضا على إشارة إلى رابطة محبي الحياة المتفردين، التي ترأستها كليوباترا ومارك أنطونيو. ومن المثير للدهشة بقاء قاعدة تمثال حتى الآن تسجل وجود هذه الرابطة (انظر فيما يلي).
بالنسبة للكتاب والمؤرخين الرومان كان مفهوم الترف مرادفا لأسلوب كليوباترا الأناني في التعامل مع من حولها. كتب يوسيفوس في كتابه «آثار اليهود القديمة» 14-15: «لم تكن تلك المرأة المسرفة تكتفي بشيء؛ فقد كانت شهيتها تتحكم فيها حتى إن العالم بأكمله لم يستطع إرضاء رغبات خيالها.» وبعد وصفه كيف قتلت كليوباترا معظم أفراد أسرتها، قال يوسيفوس أيضا (4. 1. 88):
Неизвестная страница