يا ويلتا! إن لم يخجل الرجل من شيء أفلا يخجل من أنه لا يخجل؟ أبى هذا الموت لشقائي إلا أن يتخذني زوجته، وكنت خليقة أن أجعله أسعد رجل في الدنيا لو اتخذني ابنته!
اللهم إنك رزقتني العافية في كل جوارحي، ولم تصبني إلا في القلب!
يا ويلتا! ما أنا إلا لعبة في يد هذا الطفل، لا يلذه شيء أكثر من تحطيمها في طرق لذته، وقد خلقت يا رب من يحطم القلوب الصحيحة ولم تخلق من يستطيع أن يجبر القلوب المكسورة، وإنه ليس فيما برأت وذرأت مخلوق أشد تعبا ممن يفتش في قلبه عما ليس في قلبه، وهل في الممكنات أو في أشباه الممكنات أن أجد في ناحية من قلبي حب هذا الزوج؟
لقد عرف الناس أن قلب المرأة كثير العبث، وهذا الذي يسمونه دلالا ويحبونه في الحب إنما هو شيء من عبثه، وأن هذا القلب إنما خلق ليحب؛ ولذلك أعطي قوة يخلق بها الحب من العدم، غير أنهم جهلوا فيما يجهلون من أسرار المرأة أن ذلك القلب إنما جاءه العبث بالرجال من أنه لا يطيق أن يعبث به أحد من الرجال، ومتى وجد من هؤلاء من يريده بنادرته، ويجعله من هزله معرض السخرية وموضع العبث، لم يكن في الدنيا أحد أبغض إلى المرأة منه، وإن كانت الدنيا كلها في طلعته، وإن كان مخلوقا من رونق الشمس.
أليس النساء يحببن حتى الكلاب ويرفهنها ويغالين بها وينزلنها منزلة الولد في الحب والانعطاف والتوجع والتحزن؟ فسبحانك اللهم! إن هذا القلب الذي يسع حب الكلب يضيق عن حب كثير من الرجال؛ إذ يحبون المرأة حبا ليس فيه شيء من روحها - حب الزينة أو الاستمتاع أو الخدمة - فكأنهم بذلك يبغضونها بغضا فيه كل روحها.
يا ويلتا! أعجزت أن أجد في هذه العاجلة نفسا أرى فيها نفسي؟ وهل حرمت علي كلمة الحب فلا يفيض بها صدري ولا ينطلق بها لساني؟ وهل خلقت لؤلؤة لأكون في عقد من الحصى، ووسمني الله بهذا الجمال ليعذبني بهذا القبح؟ وما عسى أن ترد علي هذه النعمة ما دمت لا أجد لها سبيلا إلى قلبي، وما دام هذا القلب لا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا يعامل بالمال!
ضل ضلالكم أيها الناس إذ تحسبون النعمة حق النعمة في الغنى وحده، وتمضون الأمر على ما تخيلتم من ذلك، ولا تدرون أن الله ينتقم بالغنى أشد مما ينتقم بالفقر؛ فلو أني ابتليت بالمصيبة، وأنا امرأة خاملة لاحتملتها وقلت خمول عرفته فما يبلغ بي ولا يزيدني بنفسي ولا بنفسه معرفة، ومن رحمة الله بالفقراء الخاملين أن في كل بلاء يعتريهم ما يعينهم على حمل بلاء أشد منه، ولكن الضربة اليوم لا تصدع الصدفة بل تسحق اللؤلؤة؛ فاللهم لا قوة إلا بك!
وما أشبهني إذ قتل هواي هذا الكونت، بزنجي من زنوج أمريكا اغتال سيدا من البيض، فلم يجدوا له عذابا إلا أن يشدوا قتيله في وثاقه، وتركوه يبلى تحت عينيه، ويسيل جوفه تحت أنفه، ويتناثر لحمه على صدره! وهكذا يقتله القتيل وحده بالرعب والجنون قتلة لا وصف لها في لغة الحياة .
ولقد كنت بائسة يطير بها القضاء ويقع، فلا تزال دهرها تحت جناح مخفوض من رحمة الله، أو فوق جناح منشور من الأمل في رحمته؛ فلما وجدت الغنى واستشرفت للسعادة، شغلني الله بهم نفسي، فشغلتني نفسي عن النعمة، فلا تزيدني النعمة إلا هما! وقد كتب الله علي أن يقتلني بغض هذا الرجل، فوهبني الغنى من يده وحسب الناس أن ذلك لكيما أستمتع به، وعلم الله أن ذلك لكيما أتصل بقاتلي! فاللهم قد أحيط بي وليس ورائي منفسح؛ فمن حيثما التفت لا أرى غير ما قضيت علي أن أرى؛ وهذا امتحان أينما أتوجه في الحياة لا تقابلني الحياة إلا بمسألة من مسائله المعضلة!
إن كلمات القضاء لا تقرأ لأنه لا ينزل بالناس إلا معانيها، على أن الكلمة الأزلية التي يكون معناها هذا الزواج وهذا الزوج، لا بد أن تكون جملة كاملة من غضب الله في السماء، لا يقابلها إلا سيرة كاملة من ازدراء الناس في الأرض. •••
Неизвестная страница