وأعجب ما في أمره أنه على كثير ما أنفق وطائل ما بذل، لم يكن يرى أنه أنفق على لويز ما لا بد منه لمثل لويز! وهو منذ أصبحت في كنفه استبدل من الحرص على المال بالحرص على الحياة، وعرف أنه لا بد في الحب من وسيلة، وأن قلب المرأة ليس في يد أحد، ولا في يد المرأة نفسها، بل هو يحتكم فيما يختار، ويختار على ما يحتكم؛ وأنه ليس أشد عنفا من هذا القلب، فهو إن لم يحي قتل؛ يحب المرأة عاشق غير محبوب منها، ويريد مراغمتها على حبه، فيقتله قلبها لوعة وضنى بما يطوع لها من صده أو بغضه، وتحب المرأة ثم يمنعها قومها ويرغمونها على غير من تحب، فلا يقتلها إلا قلبها!
وإن «فكتور» ليعرف أنه فارغ الخلقة من وسائل الحب كلها، ويعرف أنه في أحمض أنواع الهوى لا يعدل أكثر مما تعدل قشرة الليمونة المعتصرة، فكيف به في الثمر الحلو، وكيف به في حب لويز!
لم يبق إذن إلا أن «يخرج الوسيلة من يده»، والمال أضعف الوسائل في الحب الصحيح، وإن كان أقواها في الحب المكذوب، على أنه لا يجعله قويا من ضعف إلا أن يظل يمد بعضه بعضا، فإذا أنفضت اليد أو أمسكت، فلأن يقبض المحب على الريح أيسر من أن يضع يده على ظبية شاردة.
ومن أجل ذلك توسع الكونت في البذل حتى كأنه كيس مخروق، ولم يعرف لها طلبا إلا بلغ فيه رضاها، وحسب أن في رضاها محبتها، فكان يأتي بالحاجة التي تطلبها والحاجة التي لم تطلبها، ويجعل كل شيء شيئين، «وأبى إذ تعبد لها إلا أن يكون عبدا بشهود وأدلة»!
وبقيت «لويز» تتربص به الأجل، فكانت له كحرف التسويف، ولا تزال تدافعه عن نفسها، وتروضه على الصبر، وتمنيه أنها تستتم فنون الجمال من أجله، وأن هذا القمر متى تم فسيدخل معه في المحاق لا محالة، وتظن باطلا أنه لم يبق منه إلا كما بقي من ذنب الوزغة
24
تضرب به يمينا وشمالا ثم تموت، بيد أن الموت لم يستنقذها منه، وإن كان يرأف بها أحيانا، وتدخله الرقة عليها فينيب عنه «الروماتزم»
25
ليريحها بضعة أيام!
وكان الرجل يخشى غضبها، ويطمع في رضاها؛ فكان يستعين ببعضه على بعضه، ويعلم أنها ترى الصبر أحسن ما فيه، فيترك أقبح ما فيه جانبا ويصبر، فلما استوت فتنتها ولم يبق من باطلها ما تتعلل به أو تمتلق به علة، ورآها قد أخذت زخرفها وازينت واهتزت وربت؛ صار منها كحرف الجر
Неизвестная страница