هوامش
الفصل الثاني
في وحي الروح1
التراب المتكلم أمام التراب الصامت
ترى أيهما هو الصدق في حقيقته: ما نفرح به أو ما نحزن له؟ أما إن في الحياة ملحا وإن في الحياة حلوا وكلاهما نقيض، فليس منهما شيء إلا هو رد للآخر أو اعتراض فيه أو خلاف عليه، وتجدهما اثنين وهما واحد في اثنين.
فأنت تؤتى الحلو تسيغه وتستعذبه، فإذا هو بك في الملح تمجه وتغض به، ثم لا تضع من أمر على أحسنه في صورة إلا رأيته على أقبحه في صورة أخرى.
والإنسان من الهم في عمر دهر لا يموت، ومن السرور في عمر لحظة تشب وتهرم وتموت في ساعات، والحي كأنه من هذه الدنيا فرخ في بيضة ملئت له وختمت عليه، فلن يزيد فيها غير خالقها، وخالقها لن يزيد فيها!
ومن الصحة والمرض، ومما سر وساء، وما شد وهد، ومن العقل العجيب الذي يحكم من الإنسان تركيبا عصبيا مجنونا ثائرا قد استبانت فيه الحيوانية؛ من كل ذلك وما إليه مزيج هو بقدرة الله أشبه، ولكنه فوق ضعفنا وحيلتنا، فلن نرى منه في الكون إلا شكل الحيرة ومعناها والعذاب بها، والفرح بالغفلة عنها والسرور بإنكارها أو المكابرة فيها، والحيرة لا نفي ولا إثبات، ومتى يطلب الإنسان الحقيقة وهو جزء منها لم يقف إلا على جزء منها؛ فالمشكلة متحركة إلى كل جهة حتى لا تذهب عنها لتنشاها إلا وأنت ذاهب بها لكيلا تنساها.
أما إن في الحياة ملحا وإن في الحياة حلوا وكلاهما نقيض؛ فالصريح أن يخلق منهما المستحيل وهو الملح الحلو، فإن لم يمكن؛ فالممكن من الحقيقة للإنسان أن يستحيل الإنسان فيموت! •••
ترى أيهما الذي هو الكذب في نفسه: الموت أم الحياة؟ إنه الجنين فالوليد ثم الميت لا محالة بعد أن يسرع الأجل أو يتراخى، لا يتقار جنين في ذاته الدموية من الأحشاء، ولا يثبت وليد في ذاته اللحمية من المهد، ولا يترك شاب في ذاته العظمية للحياة، ولا يقف شيخ في ذاته الجلدية دون القبر!
Неизвестная страница