6
وأما الرصاص فهو من سماء الموت حب غمامه، وله صفير كأنه ترنم الشيطان ببعض أنغامه، ولو أن عاصفة كنست أرض الجحيم لما شوت الوجوه بأشد من ناره، ولا حملت من هناك إلا ما تحسب هذا الرصاص من حصاه وغباره، يثور كما تثور الأعاصير، ويندفع كما تندفع المقادير، ويقع على الأجسام بالأجل أو يطير، ويتناثر فكأن في السماء نجما تفتت فسقط، أو كأن قطعة ذابت من الشمس فألقت على وجوه الناس هذه النقط، أو هو فوج
7
من ذباب النار، هبط إلى هذه الدار، فلا هم له إلا الجلود وإنضاجها بلذعه، والعيون وإخراجها بنزعه، والعروق واستخلاصها، والدماء وامتصاصها، والأرواح بعد ذلك واقتناصها.
وكأنه زفرات غير أنها لا تخرج من الصدر بل تنزل فيه، ولولا أنها تشويه ولا تشفيه، وهو أوقع في الرءوس من الأوهام، وأنفذ في الأغراض من مكايد الأفهام، وأحر على الأكباد من كل ما يضرم غضب الجبار المغيظ، وما هو إلا العذاب الرفيع إن كان المدفع هو العذاب الغليظ. •••
وهناك من الروع ما لا يحصيه الوصف ولا يحصله، وإن عرفت آلة التصوير كيف تجمله، فليس يعرف القلم كيف يفصله؛ ولعمري لو كان البحر الأسود في المحبرة، لما بلغ في وصف هذه المقبرة، غير أنها الحرب التي ابتدعها العلم لهلاك الإنسان، والقوة التي رزقها العقل فكانت بلاء على الأبدان.
قوة المعجزات التي أركبت هذه الذبابة الإنسانية على متن الغمام، وطوت لها من السماء بين جناحي النور والظلام، فإذا سمت «الطيارة» خفض لها السحاب جناح الذل، وأقبلت الملائكة تسأل ربها ما هذا الجزء من العالم بل ما هذا الكل، وما هذه الجرادة التي رأسها في ظهرها،
8
وسرها في جهرها، بل ما هذه الحياة الأرضية التي عرجت في السماء فخرجت من حدود دهرها، وما هذا العقل الإنساني الذي لا يوزع جاشه،
9
Неизвестная страница