فلنتكلم أولا فى الأمور التى ترجع إلى صنعة الشاعر. إذا كان الشاعر يصور المستحيل فهو مخطئ، ولكن الخطأ يمكن أن يعتذر عنه إذا بلغت به الغاية (وقد بينا فيما سبق معنى الغاية)، أعنى: إذا زاد روعة هذا الجزء أو أى جزء آخر من القصيدة. ومثال ذلك مطاردة هكتور. أما إذا أمكن أن تبلغ الغاية بمثل هذه القوة أو بأعظم منها مع المحافظة على أصول الصناعة فلا وجه للاعتذار، إذ يجب أن يجتنب كل خطأ يمكن اجتنابه. ثم نسأل: هل يرجع الخطأ إلى الصناعة الشعرية نفسها أم إلى عرض من أعراضها؟ فلأن يجهل الشاعر أن الظبية ليس لها قرنان أهون من أن يصورها تصويرا غير محاك.
وإذا اعترض بأن التصوير غير مطابق للحقيقة فقد يمكن أن يجاب بأن الشاعر إنما مثل الأشياء كما ينبغى أن تكون، كما كان سوفوكليس يقول إنه يصور الناس كما ينبغى أن يكونوا، على حين أن أوريبيديس يصورهم كما هم. وبهذا يرتفع الاعتراض. أما إذا لم يكن التصوير من هذا النوع ولا من ذاك النوع فقد يمكن للشاعر أن يجب بأنه يصورهم كما يظنهم الناس. ويصدق هذا على الحكايات التى تروى عن الآلهة، فقد يكون صحيحا أن هذه الحكايات ليست أسمى من الحقيقة ولا مطابقة للحقيقة بل كما يقول عنها اكسينوفانيس: ولكن هذا ما يقوله الناس.
ثم قد لا يكون التصوير أسمى من الحقيقة، ولكن يجاب بأن هذا هو ما كان. وذلك كما فى قوله يصف السلاح: «وقفت الحراب على كعوبها»، فقد كانت هذه هى العادة، وهى عادة الإليريين إلى اليوم.
أما البحث فى حال العبارة أو العمل أو عدم جمالها فينبغى ألا يقصر على النظر فيما عمل أو قيل أشريف هو أم خسيس، بل يجب أن ينظر أيضا فى القائل أو الفاعل، ومن قيل أو فعل له، ومتى، ولم؛ كأن يبحث مثلا: أكان هذا القول أو الفعل لكسب منفعة أكبر أو لدفع مضرة أكبر؟
Страница 144