1
والواجبات على الناس مختلفة متنوعة، فكل حالة من حالات الحياة تقتضي واجبا معينا، والناس في هذه الدنيا كبحارة السفينة، وكجنود الجيش، لكل عمل وعلى كل واجب، على اختلاف بينهم فيما يجب عليهم، ذلك لأن الناس مختلفون من وجوه عدة: (1)
بحسب الثروة فمنهم غني وفقير وبين ذلك. (2)
وبحسب الرتب فخاصة وعامة. (3)
وبحسب العمل، فمنهم من عمله عقلي كالقاضي والمدرس، ومنهم من عمله يدوى كالنجار والحداد إلى كثير من أمثال ذلك - وهذا ينتج خلافا في الواجبات، فما يجب على حاكم غير ما يجب على أحد الرعية، وما يجب على غني غير ما يجب على فقير. وعلى كل إنسان كائنا ما كان أن يؤدي واجبه. ولا يستصغرن أحد ما يجب عليه. فكثيرا ما تتوقف كبار الواجبات على صغارها، فمثلا لا يصح أن نعد عمل الكناسين في الشوارع والأزقة واجبا تافها حقيرا، فإن عليه تتوقف حياة كثير من الناس وحسن صحتهم، وليس هذا بالأمر الهين، وأن كسر قطعة صغيرة في سفينة قد تؤدي إلى غرقها كما قد يؤدي إلى ذلك فقد سكانها (دفتها) وضياع مسمار صغير في ساعة قد يؤدي إلى وقوفها كضياع «الزمبلك». (2) التضحية لأداء الواجب
على كل إنسان أن يؤدي واجبه، ذلك لأن الإنسان في هذه الحياة لا يعيش لنفسه فحسب، بل يعيش له وللناس، وأداء الواجب يؤدي إلى هذه السعادة، فالتلميذ الذي يؤدي واجبه لأسرته ومدرسته يسعد والديه، والأغنياء بتأديتهم ما عليهم من بناء للمستشفيات وتبرع للجامعات ونحوها يزيدون في سعادة الأمة، وعلى العكس من ذلك السارقون والسكيرون، فإنهم بإهمالهم الواجب عليهم وعدم إطاعتهم قوانين بلادهم يزيدون في شقاء الناس وتعاستهم - ولا يبقى العالم ويرقى إلا بأداء الواجب، ولو أن مجتمعا قصر في أداء كل واجباته أياما لفنى، فلو أن المدينين لم يؤدوا ديونهم، ورفض طلبة المدارس أن يتعلموا، ولم يؤد أفراد الأسرة واجبهم، ورفض كل ذي عمل أن يؤدي عمله لحاق بالمجتمع الفناء العاجل - وبقدر قيام الأفراد بواجبهم يقاس رقي الأمة.
يجب أن نؤدي الواجب لأنه واجب، نؤديه إطاعة لضميرنا، لا طمعا في ربح نناله، ولا رغبة في شهرة نحصلها، إن الذين يفعلون لك الخير لما يرجون منك من الخير تجار يبيعون اليوم ما يقبضون ثمنه غدا - إنما مثلنا الأعلى أن نصل من الرقي إلى حد أن نتلذذ من أداء الواجب ووصول الخير إلى الناس كما نتلذذ من وصول الخير إلينا، ونردد مع أبي العلاء قوله:
فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
بل مع البارودي قوله:
Неизвестная страница