فقال لاتو بقلق: إن مهمتنا أكبر من نصرة امرأة مظلومة، فاحذر أن ينقلب علينا عملك .. ولكنه لم يصغ إلى صاحبه، وتريث حتى سمع القاضي يسأل المرأة قائلا: هل تدفعين ما يطلب إليك دفعه؟
فقام واقفا، وقال بصوت جميل عذب النبرات: نعم يا سيدي القاضي!
وانعطفت نحوه الرءوس تتفحص الكريم الجسور الذي تقدم لإنقاذ المرأة في آخر لحظة، ونظرت إليه المرأة في ذهول، وكذلك الشاب الذي دافع عنها بالبكاء والاستعطاف، أما وكيل القائد فصوب نحوه نظرة نارية برق فيها الوعيد، ولكن الشاب لم يبال أحدا وسار نحو منصة القضاة بقامته الطويلة الرشيقة، ومحياه الجميل الفاتن، وأدى الغرم المطلوب إلى المحكمة.
وتفكر القاضي مرتبكا، وهو يسائل نفسه من أين لهذا الفلاح بالذهب؟ ومن أين له هذه الشجاعة؟ .. ولم يجد بدا مما ليس منه بد، فأقبل على المرأة قائلا: يا امرأة .. اذهبي طليقة .. وليكن لك مما كدت تتردين فيه موعظة ودرسا.
7
وغادروا المحكمة جميعا، لاتو وإسفينيس والسيدة إبانا والشاب الغريب، وفي الطريق نظرت المرأة إلى إسفينيس، وقالت بصوت لا يكاد يسمع: سيدي ، لقد أنقذتني مروءتك من ظلمات السجون، فملكت عنقي بجميل صنيعك، وحملتني دينا لا أستطيع الوفاء به.
وخطف الشاب الغريب يده فقبلها وعيناه مغرورقتان بالدموع، وقال بصوت متهدج: فليعف الرب عما سلف من سوء ظني، وليجزك أجمل الجزاء على ما أوليتنا بإنقاذك أمي من غيابات السجن وآلام الجلد.
فغلب التأثر إسفينيس وقال برقة: لا عليكما من هذا، لقد ابتليت أيتها السيدة بظلم قبيح، والظلم وإن وقع على نفس بعينها يسيء إلى النفوس العادلة جميعا، وما فعلت إلا أن غضبت فنفست عن غضبي، فلا دين هناك ولا وفاء!
ولم يقنع هذا القول السيدة إبانا، فظلت على تأثرها تتعثر في ارتباكها وتقول: يا له من عمل نبيل .. يا له من عمل يجل عن الوصف ويعلو على المديح.
وأما ابنها فكان لا يقل عنها تأثرا، ورأى إسفينيس ينظر إليه فقال كالمعتذر: ظننت حين التقينا أنكما من صنائع الرعاة، لما يبدو عليكما من مظاهر الثراء، فإذا بكما مصريان كريمان لا أدري من أين جئتما، وقد أقسمت ألا أفارقكما حتى تتفضلا بزورة كوخنا الصغير، لنشرب معا قدحا من الجعة احتفالا بتشرفنا بمعرفتكما، فماذا تقولان؟
Неизвестная страница