أنا لم أتزوجه عن حب وإنما كان كل ما أريد أن يكون معي رجل أحتمي فيه، ولكنه بخيل شديد البخل، وأنا كنت متأكدة أنه سيستغني عني في اللحظة التي ينتهي فيها انتفاعه بي؛ فالرجل الذي يرمي أولاده وأمهم كما فعل هو لا يمكن أن يكون مأمونا ولا يمكن أن أطمئن على مستقبلي معه، أنا أعرف ماذا أستطيع أن أفعل؛ فالرجال الثلاثة الذين أذهب إليهم يتمنون مني إشارة، وأنا فعلا اخترت واحدا وسأتزوجه وليخبط شهاب رأسه في الحائط؛ ففي فترة زواجي به لم أعرف الاستقرار ولا الهدوء لحظة واحدة؛ فأنا دائما أخشى أن يطلقني في أية لحظة؛ فهو لم يتزوجني إلا لأنني امتنعت عليه كما أنني الآن ممتنعة عن نبيل وصفوت وأسامة، والثلاثة حاولوا إغرائي بكل وسائل الإغراء ولكنني كشأني دائما لا أهب نفسي لغير زوجي؛ فالمرأة التي تهب نفسها لغير زوجها عليها أن تتوقع الاحتقار من هذا الذي وهبت له نفسها ومن جميع الذين علموا بهذه العلاقة، وشهاب لا يعلم عني هذا الرأي إلا من امتناعي عليه قبل زواجنا ولكن هو يهمه مصلحته وحدها مهما كان الثمن. ورجل كهذا ليس من الحكمة البقاء معه. أنا أعرف طريقي بوضوح وأعرف ماذا سأفعل تماما. •••
حاول نبيل وصفوت وأسامة أن يستميلوا فتنة بشتى الطرق ومختلف الوسائل، وكان المال أهم هذه الطرق والوسائل، ولكن أحد منهم لم يظفر منها بأكثر من قبلة على يدها وليس شفتيها أو خدها. وكانت هي تقبل المال الذي يقدمونه إليها على أي صورة له ولكن لا تعطي مقابله شيئا يذكر، وكان أسامة أول اليائسين منها إلا أن جمالها ولباقتها في الحديث لم يجعلاه يقطع أواصر الود بينهما، أما الاثنان الآخران فلم يصل الأمر بهما إلى حد اليأس؛ فكل منهما ما زال يأمل أن يصل إليها وأدركت فتنة بغريزة المرأة فيها اليأس الذي ران على أسامة كما أدركت بنفس الغريزة ما يراود كلا من نبيل وصفوت من آمال وبقي لها أن تختار واحدا منهما.
الفصل الخامس عشر
حين لقى الشيخ متولي ربه سارع شهاب إلى البلدة وعانق أمه باكيا معها إلا أنه أحس أن الأحضان التي تحيط به ليست أحضان أمه التي ربي في ظلها والتي كان يعهدها قبل أن تغضب أمه وأبوه عليه، ولكنه لم يقل لأمه شيئا وتفرغ لإقامة المأتم الذي كان جديرا بثرائه وبوكيل وزارة سابق.
وبعد المأتم خلا إلى أمه: أنا تحت أمرك ولن أجعلك تحتاجين لشيء أبدا. - كتر خيرك، ما عندي يكفيني. - لا تغضبي علي كل هذا الغضب. - أبوك كان حريصا ألا أقبل منك شيئا. - ماذا تعنين؟ - إذن فأنت لا تعرف! - أعرف ماذا؟ - ألا تعرف أن أباك باع الأرض لابنك أمجد ولابنتك فضيلة وكتب في العقد شرطا ألا يحصلا على ريع الأرض إلا بعد موتنا أنا وهو، وأن يحصل على الريع خالصا له من يبقى حيا منا بعد الآخر. - إذن فأنا لم أرث من أبي شيئا؟ - لم ترث سهما واحدا من أبيك. - ومتى تم هذا؟ - ألا تعرف؟! منذ تزوجت الراقصة. - أنا لا تهمني الأرض فإن ثروتي الآن أضخم بكثير مما تتصورين، ولكن الذي يؤلمني ويحز في نفسي أن يكون أبي غاضبا علي إلى هذا الحد. - أتظن أن الذي فعلته شيء بسيط، إنه كبير جدا يا شهاب. - على كل حال يا أمي هذا الذي حصل لم يغير من الأمر شيئا، أنا سأظل ابنك حتى وإن رفضت أن تكوني أمي، ولن أتأخر عنك أبدا ولن أجعلك تحتاجين لشيء ولا لإنسان. - ربنا يغنيني، وإن شاء الله لن أحتاج شيئا ولا إنسانا حتى ولو كان أنت . - أنا مصمم أن أظل ابنك وتحت أقدامك مهما كنت غاضبة علي. - ربنا ينير لك طريقك، وغضبي ليس عليك وإنما أنا غاضبة لك ولما فعلته بنفسك.
ولم يجد شهاب شيئا يفعله إلا أن يقبل يدي أمه وينصرف عائدا إلى القاهرة.
الفصل السادس عشر
قال نبيل لفتنة: أليس لها آخر؟ - اسمع يا نبيل أنت أكرمتني غاية الإكرام بالهدايا الثمينة وبالمال الصريح، ومن حقك علي أن تعرف أنني لا أهب نفسي إلا لزوجي. - أنا فاهم هذا من زمن بعيد، ولكن كيف؟ - طبعا كيف وأنا متزوجة؟ فما قولك إذا طلقت؟ - أتزوجك في اليوم الذي تنتهي فيه شهور العدة. - إذن اتفقنا. - وكيف تحصلين على الطلاق؟ - هذا شغلي أنا. - وأنا منتظر. - لن تنتظر طويلا. •••
كانت فتنة قد أعدت أمرها للحصول على الطلاق من زوجها؛ فراحت تجمع أموالها جميعا من البنوك وأخفتها جميعا في خزانة حصينة في شقتها التي كانت تعيش فيها قبل أن تتزوج من شهاب.
وجمعت كل الأوراق التي تدين شهابا في العمليات التي قام بها وتوجهت إلى المدعي الاشتراكي.
Неизвестная страница