المركز مدينة صغيرة، أو قرية مكبرة، يجمع بين الحاضرة والريف في تناسق عجيب.
فأنت تجد في المركز دارا أو ربما دارين أو ثلاثة أحيانا للسينما.
وفي المركز أطباء كثيرون، قد يزيدون أو يقلون عن العشرة، ولكنهم دائما متعددون. وقد تجد، بل إنك كثيرا ما تجد، أطباء متخصصين. وبالمركز دكاكين كثيرة لبيع الفاكهة؛ الأمر الذي لا تجده في القرية مطلقا، ودكاكين أخرى لبيع الملابس، بل إنك، في إجمالة تنأى بنا عن التفصيل، تستطيع أن تشتري ما شئت في المركز، لا أستثني من ذلك التليفزيون، بل والفيديو أحيانا إن لم تجده في الحال وجدت من يشتريه لك في ساعات من الفرع الرئيسي الذي يمثله هو في المركز.
وللمركز محكمة لها قضاتها ونيابتها وجميع الموظفين الذين تحتاج إليهم المحكمة. أما الشرطة فأنت واجد، لا شك، قسما لها، يرأسه مأمور بأكمله، مع مساعديه من الضباط وما يليهم في المرتبة.
وبالمركز أكثر من ناد؛ منها الرياضي، ومنها الاجتماعي، وربما يكون هناك ناد معين هو أهمها، ولكنه لا يلغي الآخرين. وبالمركز أكثر من محام.
مدينة مصغرة هو المركز. وناسه يعرفون بعضهم البعض، وهو في هذا يقترب إلى القرية، وينأى بعض الشيء عن المدينة.
في مركز من مراكز مصر يقيم الرجل الطيب عبد الهادي النقيب، ومركز المهدية الذي يقيم فيه من أهم مراكز مديرية الشرقية. وقد جاء عبد الهادي نفسه في المهدية وهو يعلم أن أباه وجده كانا يعيشان بها.
وكان عبد الهادي النقيب من أعيان المهدية، ومن أحب أعيانها إلى ناسها. وما اختلف قوم فيما بينهم أو وقع خلاف بين أسرتين إلا كان عبد الهادي هو أول من يتجه إليه المختلفون، يرجون عنده الرأي السديد والعقل الراجح، والبعد عن الهوى، والحفاظ على العدل.
فما كان عجيبا أن أصبح عبد الهادي في نفوس أهل المهدية رئيسا للقوم. وقد تولى منصبه هذا دون تعيين وبغير انتخابات. هو هكذا في القلوب دون أي قرار رسمي. ويعلم الله أن كثيرا من أصحاب الرئاسة الرسمية يتمنى أن يصل إلى هذه الرئاسة المضمرة المتمكنة من القلوب، ويهون عنده حينئذ كل المراسيم والقرارات والأوامر التي نصبته رئيسا رسميا ذا تاج وكرسي عرش وحرس وخدام وضجيج وعجيج وصراخ لا يدري أحد مدى الحق في شأنها.
أما رئاسة القلوب المضمرة، فهي رئاسة لا شك في أمرها أثبتها كل فرد من أفراد الشعب في نفسه، وأصبح في غير حاجة أن يعلن عنها.
Неизвестная страница